قوله تعالى : (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا ؛) أي قل يا محمّد لأهل مكّة : آمنوا بالقرآن أو لا تؤمنوا ، وهذا وعيد لهم ؛ أي إن آمنتم وإن لم تؤمنوا ، فالله غنيّ عنكم وعن إيمانكم ، وإيمانكم لا ينفع غيركم ، وكفركم لا يضرّ سواكم.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ؛) أي من قبل نزول القرآن ، والمراد بهم مؤمنوا أهل الكتاب ، (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ ؛) القرآن ، (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ ؛) أي يقعون على وجوههم (سُجَّداً) (١٠٧) ، لله ، والمراد بالأذقان الوجوه ، كذا قال ابن عبّاس.
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) (١٠٨) ؛ أي يقولون في سجودهم : تنزيها لله عما لا يليق به ، وقد كان وعد ربنا كائنا لا محالة. وهؤلاء الذين سجدوا كانوا يسمعون أنّ الله يبعث نبيّا من العرب وينزّل عليه كتابا ، فلما سمعوا القرآن سجدوا لله وحمدوه على إنجاز الوعد ببعث الرسول والكتاب ، وقالوا : قد كان وعد ربنا مفعولا.
قوله تعالى : (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ ؛) أي يسقطون على الوجوه يبكون في السّجود ، (وَيَزِيدُهُمْ ؛) البكاء في السّجود ، (خُشُوعاً) (١٠٩) ؛ إلى خشوعهم ؛ لأن مخافتهم الله داعية إلى طاعته ، والإخلاص في عبادته.
وفي الآية دليل على أنّ البكاء في الصّلاة من خوف الله لا يقطع الصلاة ؛ لأن الله مدحهم عليه. وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم [أنّه كان يصلّي ، فيسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء](١). وعن عبد الله بن شدّاد قال : (كنت أصلّي خلف عمر رضي الله عنه صلاة الصّبح ، وكان يقرأ سورة يوسف حتّى إذا بلغ (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ)(٢) سمعت نشيجه ، وأنا في آخر الصّفوف).
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٤ ص ٢٥ و ٢٦. وأبو داود في السنن : كتاب الصلاة : باب البكاء في الصلاة : الحديث (٩٠٤). والنسائي في السنن : كتاب السهو : باب البكاء في الصلاة : ج ٣ ص ١٣ صحيح.
(٢) الآية / ٨٦.