كلاب فإنّه كان شيخا صدوقا ، فنسألهم عن ما تقول : أحقّ هو أم باطل؟ فإن صنعت لنا ما سألناك وصدّقوك صدّقناك ، وعرفنا بذلك منزلتك عند الله بأنّه بعثك رسولا كما تقول. فقال صلىاللهعليهوسلم : [ما بهذا بعثت ، إنّما جئتكم من عند الله بما بعثني].
قالوا : وإن لم تفعل هذا فاسأل ربّك يبعث ملكا يصدّقك ، ويعينك عمّا نرى بك ، فإنّك تقوم في الأسواق تتلمّس المعاش. فقال صلىاللهعليهوسلم : [ما أنا بالّذي يسأل الله هذا ، ولكنّ الله بعثني بشيرا ونذيرا].
قالوا : فأسقط السّماء كما زعمت علينا كسفا ، كما زعمت أنّ الله ما شاء فعل! فقال صلىاللهعليهوسلم : [ذلك إلى الله ، إن شاء فعله بكم] فقالوا : قد أعذرنا إليك يا محمّد ، أما والله ما نتركك وما فعلت بنا حتّى نهلكك أو تهلكنا. وقال قائل منهم : لن نؤمن حتّى تأتي بالله والملائكة قبيلا.
فلمّا قالوا ذلك قام النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقام معه عبد الله بن أميّة المخزوميّ ، وهو ابن عمّته عاتكة بنت عبد المطّلب ، فقال له : يا محمّد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبل منهم ، ثمّ سألوك أمورا لأنفسهم ؛ ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ، ثمّ سألوك أن تعجّل لهم ما خوّفتهم به من العذاب فلم تفعل ، فو الله لا أؤمن بك أبدا حتّى تتّخذ سلّما إلى السّماء ، ثمّ ترقى فيه وأنا أنظر حتّى تلج بابها ، أو تأتي معك بنسخة منشورة ، ونفر من الملائكة يشهدون أنّك نبيّ كما تقول ، وأيم الله لو فعلت ذلك لظننت أنّي لا أصدّقك.
ثمّ رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى منزله حزينا لما ناله من سفاهة قومه وتباعدهم من الله ، فقال أبو جهل حين قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا معشر قريش إنّ محمّدا قد أتى إلى ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وتتبيب آلهتنا ، إنّي أعاهد الله لأجلس له بحجر غدا قدر ما أطيق حمله ، فإذا سجد في صلاته رضخت به رأسه. فأنزل الله هذه الآية (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً)(١).
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٥ ص ٣٣٧ ـ ٣٣٩ ؛ قال السيوطي : (أخرجه ابن جرير وابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس) وذكره. وأخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٧١٣١).