نفسك وتلام ، وتبقى الحسرة على ما تخرجه من يدك ، والحسرة : الغمّ لانحسار ما فات ، وحسر عن ذراعه يحسر حسرا إذا كشف عنه.
وقد قيل : إنّ المراد بالخطاب في هذه الآية غير النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه صلىاللهعليهوسلم لم يكن يدّخر شيئا لغد ، وكان يجوع حتى يشدّ الحجر على بطنه ، وقد كان كثير من فضلاء الصّحابة رضي الله عنهم ينفقون جميع أملاكهم في سبيل الله تعالى ، مثل ما فعله أبو بكر رضي الله عنه حتى يبقى في عباءة ، فلم يعنّفهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ولم ينكر عليهم لصحّة يقينهم وشدّة بصائرهم.
وإنما نهى الله تعالى عن الإفراط في الإنفاق من خيف عليه الحسرة على ما يخرجه من يده ، كما روي : أنّ رجلا أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمثل بيضة من ذهب ، فقال : وجدتها في معدن كذا ولا أملك غيرها ، فتصدّق بها ، فأخذها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورماه بها حتّى لو أصابه بها لشجّه ، ثمّ قال : [إنّ أحدكم ليتصدّق بجميع ماله ، ثمّ يقعد يتكفّف النّاس](١). ومن الدليل أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم لم يكن داخلا في هذا الخطاب : أن الله تعالى قال (مَلُوماً مَحْسُوراً) ومعلوم أنه صلىاللهعليهوسلم لم يكن يتحسّر على ما كان يملكه.
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ الخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وأن سبب نزول هذه الآية ما روي : أنّ امرأة بعثت ابنها إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالت له : قل : إنّ أمّي تستكسيك درعا ، فإن قال لك حتّى يأتينا شيء ، فقل له : فإنّها تستكسيك قميصك ، ففعل الابن كما قالت أمّه ، فنزع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قميصه ودفعه إليه ، ولم يبق له قميص يخرج فيه إلى الصّلاة ، فنزلت هذه الآية (٢) بما فيها من الدلالة بالنّهي عن الإمساك ، فيكون التحسّر على هذا القول لتأخّر خروجه إلى الصلاة بسبب القميص.
__________________
(١) أخرجه أبو داود في السنن : كتاب الزكاة : باب الرجل يخرج من ماله : الحديث (١٦٧٣). والدارمي في السنن : كتاب الزكاة : باب النهي عن الصدقة بجميع ما عند الرجل : الحديث (١٦٥٩).
(٢) أخرجه الواحدي في أسباب النزول : ص ١٩٤ عن جابر ولم يذكر له إسنادا.