وذهبوا به حتى قدموا مصر ، فأمره مالك بن ذعر حتى اغتسل ولبس ثوبا حسنا ، وعرضه على البيع ، فاشتراه قطفير بن رويحب لامرأته ، قال وهب : (ترافع النّاس في ثمنه وتزايدوا حتّى بلغ ثمنه وزنه مسكا وورقا ، فابتاعه قطفير بهذا الثمن وأتى به إلى منزله) (١).
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ ؛) واسمها راعيل : (أَكْرِمِي مَثْواهُ ؛) أي أحسني طول مقامه عندنا ، (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا ؛) في أمورنا ونبيع فنربح في ثمنه ، (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ؛) نسبناه ، وكان العزيز عقيما ، أو حصورا لا يولد له ، إنما قال لما رأى على يوسف من الجمال والعقل والهداية إلى الأمور.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ؛) أي كما خلّصناه من البئر وإخوته كذلك مكّنّاه فيها حتى بلغ ما بلغ. قوله تعالى : (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ؛) أي لنعلّمه من ضروب العلوم ، (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) أي لا يقدر أحد منكم دفع ما أراد من أمره ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٢١) ؛ أن الله غالب على أمره وهم المشركون.
قوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً ؛) قال ابن عبّاس : (لمّا بلغ ثماني عشرة سنة آتيناه النّبوّة والفقه ، وجعلناه حكيما عليما) ، قال : (والأشدّ من ثماني عشرة إلى ثلاثين سنة) (٢). ويقال : أقصاه اثنان وستّون سنة ، فأما الاستواء فهو أربعون سنة. وقال الحسن : (أعطي يوسف الرّسالة عند هذه الحالة ، وكان أعطي النّبوّة من قبل).
ويقال : معناه : وآتيناه حكما وعلما بين الناس ، فإذا الناس كانوا تحاكموا إلى العزيز ، أمره أن يحكم بينهم ؛ لما رأى من عقله وأمانته وعلمه. قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٢٢) ؛ أي كما جزينا يوسف على صبره على المحن ، كذلك نجزي المحسنين في أقوالهم وأفعالهم.
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٩ ص ١٥٨.
(٢) ذكره الطبري في جامع البيان : تفسير الآية : الأثر (١٤٥٥١).