مدين يريدون معرّفا خطر الطريق ، فتحيّروا وجعلوا يهيمون حتى وقعوا في الأرض التي فيها الجبّ ، فأرسل كلّ قوم منهم واردهم ، والوارد الذي يقوّم القوم لطلب الماء ، فوافق الجبّ مالك بن ذعر وهو رجل من العرب من أهل مدين ، (فَأَدْلى دَلْوَهُ) في البئر ، فتعلّق بها يوسف ، فلم يقدروا على نزعه ، فنظروا فرأوا غلاما قد تعلّق بالدّلو ، فنادى أصحابه ف (قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ ،) قال : ما ذاك يا مالك؟ قال : غلام أحسن ما يكون من الغلمان. فاجتمعوا عليه وأخرجوه.
قال كعب : (كان يوسف حسن الوجه جعد الشّعر ضخم العين مستوي البطن صغير السّرّة ، وكان إذا تبسّم رأيت النّور في ضواحكه ، لا يستطيع أحد وصفه ، وكان حسنه كضوء النّار وكان يشبه آدم يوم خلقه الله تعالى قبل أن يصيب المعصية). ويقال : إنه ورث ذلك الجمال من جدّته سارة ، وكانت قد أعطيت سدس الحسن.
وقوله تعالى : (قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ) من قرأ (يا بشري) أي بياء الإضافة ، فهو خطاب للفرح على القلب ، كما قال : يا فرحي يا طوباي ويا أسفي. ومن قرأ بغير ياء الإضافة فمعناه تبشير الأصحاب ، كما يقال : يا عجبا ويراد به يا أيّها القوم اعجبوا.
قوله تعالى : (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً ؛) أي أسرّ الذين وجدوا يوسف من رفقائهم ومن القافلة مخافة أن يطلب أحد منهم الشّركة معهم في يوسف عليهالسلام ، قوله : (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) نصب على المصدر ؛ أي قالوا في ما بينهم : إنّا نقول إن أهل الماء استبضعوك بضاعة ، ويجوز أن يكون (بِضاعَةً) نصبا على الحال على معنى أنّهم كتموه حين أعقدوا التجارة فيه.
ويقال : إن قوله (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) راجع إلى إخوة يوسف ، فإنه روي أنّهم جاؤا بعد ثلاثة أيّام فلم يجدوا في البئر ، فنظروا فإذا القوم نزول بقرب البئر ، فإذا هم بيوسف ، فقالوا لهم : هذا عبد آبق منذ ثلاثة أيام ، وقالوا ليوسف : لئن أنكرت أنّك عبد لنا فلنقتلنّك ، وقالوا للقوم : اشتروا منّا فذلك معنى قوله (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) بأن طلبوا من يوسف كتمان نسبه ، إلا أنّ القول الأوّل أقرب إلى ظاهر الآية. قوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) (١٩) ؛ أي بيوسف ، وهذا يجري مجرى الوعيد.