قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ ؛) أي ولقد أنزلنا بني إسرائيل في موضع خصب وأمن ، وهي أرض مصر ما بين أردن وفلسطين ، ويقال : هي الأرض المقدّسة التي ورثوها من أبيهم إبراهيم عليهالسلام ، وسمّاها منزل صدق ؛ لأن فضلها على سائر المنازل كفضل الصّدق على الكذب. وقيل : هم بنو قريظة والنضير أنزلناهم مبوّأ صدق بين المدينة والشّام من أرض يثرب ، (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ؛) أي من النّخل وما فيها من الرّطب والتمر.
قوله : (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ ؛) معناه أنّهم لم يزالوا مؤمنين بمحمّد صلىاللهعليهوسلم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل لم يختلفوا في ذلك ، بعث الله محمّدا صلىاللهعليهوسلم فآمن به بعضهم وكفر به بعضهم.
ومعنى الآية : ما اختلفوا في تصديق النبيّ صلىاللهعليهوسلم وإنه نبيّ حتى جاءهم العلم ، قال ابن عبّاس : (يريد القرآن الّذي جاء به محمّد صلىاللهعليهوسلم) ، وقال الفرّاء : (العلم محمّد صلىاللهعليهوسلم) (١) لأنّه كان معلوما عندهم بنعته ، وذلك أن لمّا جاءهم اختلفوا فيه وفي تصديقه فكفر به أكثرهم).
قوله : (إِنَّ رَبَّكَ ؛) يا محمّد ، (يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ،) بتمييز المحقّ من المبطل ، ويجازي كلّا منهم بما يستحقّه ، (فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٩٣) فيدخل المصدّقين بك الجنة ، ويدخل المكذّبين النار.
قوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ؛) قال أكثر أهل العلم : هذا خطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والمراد به غيره من الشّكّاك ، ومثل ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ)(٢) الخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم والمراد به غيره بدليل قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)(٣) ، ولم يقل بما تعمل ، قال الزجّاج : (إنّ الله يخاطب النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وذلك
__________________
(١) في معاني القرآن : ج ١ ص ٤٧٨ ؛ قال الفراء : (والْعِلْمُ يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم وصفته).
(٢) الأحزاب / ١.
(٣) النساء / ٩٤.