قائما إذا بقي أثر العلّة ، أو كان في شدة معيشة أو غيرها ، (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ ؛) رفعنا ما كان به من الشدّة استمرّ على الإعراض عن شكرنا ما أنعمنا عليه في كشف الضرّ عنه ، (مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ ؛) قطّ ؛ أي كأنّه لم يمسّه ضرّ ، وكأن لم نكشف الضرّ عنه. قوله تعالى : (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢) ؛ في الشّرك من الدعاء في الشدّة ، وترك الدعاء في الرّخاء ، فاغترّوا بما زيّن لهم.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ؛) أي ولقد أهلكنا الأمم الماضية من قبلكم حين كفروا ، (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ؛) بالدلالات الواضحات ، (وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا ؛) فيه بيان أنّ الله تعالى إنما أهلكهم ؛ لأنه كان المعلوم من حالهم أنه لو أبقاهم أبدا لأدبروا ولم يؤمنوا ، ولو كان في بقائهم صلاح لهم ولغيرهم لأبقاهم. وقوله تعالى : (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (١٣) أي هكذا نجزي القوم المشركين ، نهلكهم كما أهلكنا الأوّلين.
قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١٤) ؛ أي ثم أسكنّاكم الأرض من بعد الأوّلين لنجازيكم على ما تعملون من الخير والشرّ ، ونشاهد هل تعتبرون بما صنع بالأوّلين أم لا؟ وهذا على التهديد ؛ أي إن عاملتكم مثل معاملتهم أهلكتكم كما أهلكتهم.
وإنما قال (لننظر) ؛ لأنه سبحانه يعامل العبد معاملة المختبر الذي لا يعلم الشيء حتى يكون مظاهرة في العدل ، وأنه إنما يجازي العباد على أعمالهم لا على علمه فيهم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إنّ الدّنيا حلوة خضرة ، وإنّ الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون](١) ، قال قتادة : (وذكر لنا أنّ عمر رضي الله عنه قال : صدق ربّنا ما جعلنا
__________________
(١) أخرجه الطبراني في الكبير : ج ٢٤ ص ١٨١ : الحديث (٥٧٧ ـ ٥٨٩) عن خولة بنت قيس ، وفيه : [إنّ الدّنيا خضرة حلوة ، فمن أخذها بحقّها بارك الله له فيها ، وربّ متخوّض في مال الله ورسوله فيما اشتهت نفسه له النّار يوم القيامة] ، وإسناده حسن صحيح. وأخرجه ابن حبان في موارد الضمآن : الحديث (٨٠٢) ، وفي الصحيح : كتاب الجنائز : الحديث (٢٨٩٢).