رأوه يطلب الاستشفاع بثوب رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١).
قال ابن عبّاس : (الله أعلم أيّ صلاة كانت تلك وما خادع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنسانا قطّ) ، وقال مقاتل : (إنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أراد أن لا يصلّي على عبد الله بن أبيّ ، جاء إليه ابنه فقال : أنشدك بالله أن لا تشمّت بي الأعداء ، وكان ابنه مؤمنا حقّا ، فأنزل الله هذه الآية ، فانصرف النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ولم يصلّ عليه). وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أراد أن يصلّي عليه فأخذ جبريل بثوبه ، فقال : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً.)
قوله تعالى : (وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) (٨٤) ؛ أي ماتوا على الكفر والنفاق ، فلمّا نزلت هذه الآية ما صلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعدها على منافق ولا قام على قبره حتى قبض ، وكلّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ما فعل بعبد الله بن أبي ، فقال : [وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله ، والله إنّي كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومه](٢).
قوله تعالى : (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ ؛) أي لا تعجبك كثرة أموالهم وأولادهم في الدّنيا ، إنما يريد الله أن يعذّبهم بها ، ويخرج أرواحهم بصعوبة ، (وَهُمْ كافِرُونَ) (٨٥) ؛ هذا على التقديم والتأخير في الآية على ما تقدّم ذكره ، فأما التأويل على نظم الآية ، فمعناه : إنما يريد الله أن يعذّبهم بها في الدّنيا بالتشديد عليهم في التكليف بالإنفاق والأمر بالجهاد.
فإن قيل : لم أعاد قوله (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ)؟ قيل : فيه قولان : أحدهما بشدّة التحذير عن الاغترار بالأموال والأولاد ، والثاني : أنه أراد بالأول قوما من المنافقين ، وأراد بالثاني قوما آخرين منهم ، كما يقال : لا تعجبك أموال زيد وأولاده ، ولا تعجبك أموال عمرو وأولاده.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٣٢٥٥ ـ ١٣٢٦٢). وأصل هذه الأحاديث أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب التفسير : باب استغفر لهم أو لا : الحديث (٤٦٧٠). ومسلم في الصحيح : كتاب فضائل الصحابة : الحديث (٢٥ / ٢٤٠٠).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٣٢٦١) مرسلا من حديث قتادة.