قوله تعالى : (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ ؛) أي قال بعضهم : لا تخرجوا فإن الحرّ شديد والسفر بعيد ، وكانوا يدعون إلى غزوة تبوك في وقت نضج الرّطب وهو أشدّ ما يكون من الحرّ. قوله تعالى : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ؛) أي قل لهم نار جهنّم التي استحقّوها بترك الخروج الى الجهاد أشدّ حرّا من هذا الحرّ. قوله تعالى : (لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) (٨١) ؛ أي لو كانوا يفقهون أوامر الله ووعده ووعيده.
قوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٢) أي فليضحكوا قليلا لأنّ ذلك لا يبقى ، وليبكوا كثيرا في الآخرة في النار ، وهذا اللفظ أمر ، ومعناه الخبر. وقيل : تقديره : فليضحكوا قليلا فيبكون كثيرا ، قال أبو موسى الأشعري : (إنّ أهل النّار ليبكون الدّموع في النّار حتّى لو جريت السّفن في دموعهم لجرت ، ثمّ إنّهم ليبكون الدّم بعد الدّموع).
قال ابن عبّاس : (إنّ أهل النّفاق ليبكون في النّار عمر الدّنيا ، فلا يرقّ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم) ، قال صلىاللهعليهوسلم : [يرسل الله البكاء على أهل النّار فيبكون حتّى تنقطع الدّموع ، ثمّ يبكون الدّم حتّى يرى وجوههم كهيئة الأخدود] ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : [لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا](١).
قوله تعالى : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ؛) معناه : إن رجعك الله من تبوك ، إلى طائفة من المنافقين بالمدينة فاستأذنوك للخروج معك الى غزوة أخرى فقل : لن تخرجوا معي أبدا إلى الجهاد ، ولن تقاتلوا معي عدوّا ، (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ؛) أي في غزوة تبوك ، (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) (٨٣) ؛ أي مع النّساء والصبيان ، هذا قول الحسن.
والخالف الذي يبقى بعد الشّاخص ، وقيل : هو الذي يبقى لنقص يكون فيه. وعن ابن عبّاس أن معنى الخالفين : (المتخلّفين بغير عذر) ، وقيل : إنّ هذا مأخوذ من قولهم خلف اللّبن إذا فسد ، والخالف الفاسد ، وقيل الخالفون خسّاس الناس
__________________
(١) أخرجه الترمذي في الجامع : كتاب الزهد : الحديث (٢٣١٣) ، وقال حديث صحيح.