قوله تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٧٧) ؛ أي أعقبهم ببخلهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم جزاء البخل. وقيل : معناه : فجازاهم ببخلهم نفاقا في قلوبهم بما أخلفوا الله ؛ أي بإخلافهم بما وعدوا من التصدّق وكذبهم فيما قالوا. وقال الحسن : (معناه : أورثهم الله النّفاق في قلوبهم بأن حرمهم التّوبة كما حرم إبليس). قالوا : وإنّما أراد الله بهذا بأنّ الله تعالى دلّنا على أنه لا يتوب ، كما دلّنا حال إبليس لأنه لا يتوب ؛ لأن الله سلب عنه قدرة التوبة.
قوله تعالى : (إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) معناه على قول الحسن وقتادة : (إلى يوم يلقون الله) أي يلقون اليوم الذي لا يملك فيه الحكم والضرّ والنفع إلا الله ، وفي هذه الآية دلالة على أن من نذر نذرا فيه قربة يجوز أن يقول : إن رزقني الله ألف درهم فعليّ أن أتصدّق بخمسمائة لزمه الوفاء به ، وفيها دلالة جواز تعليق النذر بالشّرط نحو أن يقول : إن قدم فلان فلله عليّ صيام وصدقة ، وإن ملكت عبدا ، أو هذا العبد فعليّ أن أعتقه ، وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صلّى وصام : من إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر](١).
قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (٧٨) ؛ ألم يعلم المنافقون أنّ الله يعلم ما يسرّون من الكفر ، وما يناجون فيه فيما بينهم ، وأنّ الله عالم بكلّ شيء خفيّ على العباد ، وهذا استفهام بمعنى التوبيخ.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ؛) قال ابن عبّاس : (وذلك أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم خطب ذات يوم حين أراد الخروج إلى غزوة تبوك يحثّ النّاس على الصّدقة ، وقال :
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٣٢١٣). وأصله في الصحيحين : [أربع] ؛ أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الإيمان : باب علامة المنافق : الحديث (٣٤). ومسلم في الصحيح : كتاب الإيمان : باب خصال المنافق : الحديث (١٠٦ / ٥٨).