فقال سعد بن عبادة : ائذن لي أتكلّم يا رسول الله؟ قال : [تكلّم] قال : أمّا قولك [كنتم ضلّالا فهداكم الله بي] بحقّ كنّا كذلك ، وأمّا قولك : [كنتم أذلّة فأعزّكم الله بي] فقد علمت العرب أنّه ما كان حيّ من أحياء العرب أمنع لما وراء ظهورهم منّا ، فقال عمر : يا سعد أتدري من تكلّم؟ قال : نعم يا عمر أكلّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [والّذي نفسي بيده لو سلكت الأنصار واديا وسلكت النّاس واديا لسلكت وادي الأنصار ، الأنصار كرشي وعيبتي ، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم] ثمّ قال : [يا معشر الأنصار أما ترضون أن ينقلب النّاس بالشّاة والإبل وتنقلبون برسول الله إلى بيوتكم؟] قالوا : بلى رضينا يا رسول الله ، والله ما قلنا ذلك إلّا محبّة لله ولرسوله ، فقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : [إنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم](١). فلما قدم النبيّ صلىاللهعليهوسلم قام خطيبا فقال : [أمّا خطيب الأنصار ؛ ولو قال : كنت طريدا فآويناك ، وكنت خائفا فآمنّاك ، وكنت مخذولا فنصرناك ، وكنت وكنت ، لكان قد صدق] فبكت الأنصار. بل الله ورسوله أعظم منّا علينا (٢).
وذكر لنا : أن ضئر النبيّ صلىاللهعليهوسلم التي أرضعته من بني سعد أتته يوم حنين فسأله سبايا حنين ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [إنّي لا أملككم وإنّما أملك نصيبي منهم ، ولكن ائتيني غدا فسلني والنّاس عندي ، فإذا أعطيتك حصّتي أعطاك النّاس] فجاءت من الغد ، فبسط لها ثوبه فقعدت عليه ، ثم سألته ذلك فأعطاها نصيبه ، فلما رأى ذلك الناس أعطوها أنصباءهم (٣). قال الزهريّ وابن المسيّب : (إنّهم أصابوا يومئذ ألفي سبيّ ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أمر مناديا فنادى يوم أوطاس : [أن لا توطأ الحبالى حتّى يضعن ، والحيالى حتّى تستبرئن بحيضة) (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٢٨٧٤) عن قتادة.
(٢) السيرة النبوية لابن هشام : ج ٣ ص ١٤٢ ـ ١٤٣.
(٣) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٨ ص ١٠٢ ؛ قال : (وقال قتادة : وذكر لنا ... وذكره)). وذكر ابن هشام قصة الشيماء في السيرة النبوية : ج ٣ ص ١٠٠ ـ ١٠١.
(٤) أخرجه ابو داود في السنن : كتاب النكاح : باب في وطء السبايا : الحديث (٢١٥٥) و (٢١٥٧) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، وقال : هو صحيح من حديث أبي سعيد.