ثواب أعمالهم وهي التي من جنس طاعة المسلمين. قوله تعالى : (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) (١٧) ؛ ظاهر المراد.
ثم بيّن الله تعالى من يكون أولى بعمارة المسجد الحرام : قوله تعالى : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (١٨) ؛ معناه : إنما يعمر مساجد الله بطاعة الله من كان في هذه الصّفة ، قوله : (وَأَقامَ الصَّلاةَ) يعني إقام الصلاة المفروضة (وَآتَى الزَّكاةَ) الواجبة في ماله ، وقوله تعالى : (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) أي لم يخف من غير الله ، ولم يرج إلا ثوابه. وكلمة عسى من الله واجبة ، والفائدة في ذكرها في آخر هذه الآية ليكون الإنسان على حذر من فعل ما يحبط ثواب عمله.
قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ؛) روي عن ابن عبّاس أنه قال : (قال العبّاس : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنّا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاجّ. فأنزل الله هذه الآية). يعني أنّ ذلك كان منكم في الشّرك ولا أقبل ما كان في الشرك. وروي أنّ المشركين قالوا : عمارة المسجد الحرام وقيام على السّقاية خير ممن آمن وجاهد. وكانوا يفتخرون بالحرم ، ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعمّاره ، فأنزل الله هذه الآية ، وأخبرهم أنّ عمارتهم المسجد الحرام وقيامهم على السّقاية لا ينفعهم عند الله من الشّرك بالله.
وقال الحسن : (نزلت هذه الآية في عليّ والعبّاس وطلحة بن شيبة من بني عبد الدّار ، وذلك أنّهم افتخروا ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت ، بيديّ مفتاحه ، قال العبّاس : أنا صاحب السّقاية ، وقال عليّ : أنا صاحب الجهاد. فأنزل الله هذه الآية : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(١) أي أجعلتم صاحب سقاية الحاجّ وصاحب عمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر ، (وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ ؛) وقيل : معناه : أجعلتم ساقي الحاجّ وعامر المسجد
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٢٨٦٤) عن محمّد بن كعب القرظي بتمامه ، وعن الحسن مختصرا.