قرأ أهل مكّة والبصرة (بالعدوة) بكسر العين ، وقرأ الباقون بضمّها وهما لغتان مشهورتان كالكسوة والكسوة والرّشوة والرّشوة ، وكذلك قوله تعالى : (مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) قرأ نافع والبزي وخلف (حيي) بيائين مثل (حيي) على الأصل (١) ، وقرأ الباقون بياء واحدة مشدّدة على الإدغام ، ومعنى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) أي ليموت من مات عن بيّنة رآها وعبرة عاينها ، أو حجّة قامت عليه ، وكذلك حيوة من يحيى لوعده (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(٢).
قوله عزوجل : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً ؛) قال ابن عبّاس : (وذلك أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم رأى العدوّ قليلا في المنام ، فقصّ رؤياه على أصحابه ، فلمّا التقوا ببدر قلّل الله المشركين في أعين المؤمنين تصديقا لرؤيا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم) ، (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ ؛) أي لجبنتم وتأخّرتم عن الصّفّ ولاختلفتم في أمر الحرب ، والفشل هو ضعف مع الوجل. قوله تعالى : (وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) التّنازع أن يحاول كلّ واحد من الاثنين أن ينزع صاحبه مما هو عليه ، (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ ؛) أي سلّمكم من ذلك ، (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٤٣) ؛ أي بما في قلوبكم ، علم أنّكم لو علمتم كثرة عدد المشركين لرغبتم عن القتال.
قوله : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٤٤) ؛ وذلك أنّ الله تعالى قلّل المشركين في أعين المسلمين ليتجرّأ المسلمون على قتالهم ، وقلّل المسلمين في أعين المشركين كيلا يستعدّ المشركون لحربهم كلّ الاستعداد.
روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : (قلت لرجل بجنبي : أتراهم تسعين رجلا؟ قال : هم قريب من المائة ، فلمّا أسرنا رجلا منهم سألناه عن عددهم ، قال : كنّا ألفا أو تسعمائة وخمسين) (٣).
__________________
(١) في المخطوط : رسم الناسخ : (سائر مثل حسي على الأصل) وهو تصحيف ، والصحيح كما أثبتناه. وضبطت القراءة كما في كتاب الحجة للقراءات السبعة للفارسي : ج ٢ ص ٢٩٣ ، والجامع لأحكام القرآن : ج ٨ ص ٢٢.
(٢) الإسراء / ١٥.
(٣) عند الطبري والقرطبي وفي الدر المنثور : ((سبعين)). أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٢٥٣٩).