معناه : إنّي أخاف عليكم إن لم تؤمنوا عذاب يوم القيامة. وقد يذكر الخوف ويراد به اليقين.
قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ؛) (٦٠) أي قال الأشراف والرّؤساء من قومه : إنّا لنراك يا نوح في ذهاب من الحقّ بيّن لنا لمخالفتك.
قوله تعالى : (قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ ؛) أي ليس بي ذهاب عن الحقّ فيما أدعوكم إليه ، (وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٦١) ؛ أي ولكن أرسلني ربّ العالمين الذي يملك كلّ شيء. وإنّما لم يقل : ليست بي ضلالة ؛ لأنّ معنى الضلالة الضّلال. قوله تعالى : (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي ؛) أي أؤدّي إليكم ما حمّلني الله من الرّسالة. وإنّما قال : (رسالات) لأن الرسالة تتضمّن أشياء كثيرة من الأمر والنّهي ؛ والتّرغيب والتّرهيب ؛ والوعد والوعيد ، فذكر تارة بلفظ يدلّ على الفعل ؛ وتارة بلفظ يدلّ على الوحدان.
قرأ أبو عمرو : (وأبلغكم) بالتخفيف في جميع القرآن كقوله تعالى : (أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي)(١) ، و (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ)(٢). وقرأ الباقون مشدّدا كما قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)(٣).
قوله تعالى : (وَأَنْصَحُ لَكُمْ ؛) أي أنصح لكم فيما أدعوكم إليه وأحذّركم منه. والنّصح : إخراج الغشّ من القول والفعل ، يقال : نصحته ونصحت له ؛ وشكرته وشكرت له. قوله تعالى : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٦٢) أي أعلم إن لم تتوبوا من الشّرك أتاكم العذاب.
قوله تعالى : (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) الألف في أوّل هذه الآية ألف استفهام ، دخل على واو العطف على جهة الإنكار ، فبقيت الواو مفتوحة كما كانت. ومعناها : أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على
__________________
(١) الأعراف / ٧٩.
(٢) الجن / ٢٨.
(٣) المائدة / ٦٧.