واختلفوا في الاعتداء في الدّعاء ؛ قال بعضهم : هو أن يدعو باللّعن والخزي ؛ فيقول : لعن الله فلانا ؛ أخزى الله فلانا. أو يدعو بما لا يحلّ فيجاوز حدّ العبوديّة. وقال بعضهم : هو أن يسأل لنفسه منازل الأنبياء ، أو يسأل الله شيئا من حكمته أنه يفعله في الدّعاء. وقيل : هو أن يقول : أسألك بحقّ جبريل وبحقّ الأنبياء أن تعطيني كذا. وقيل : هو أن يدعو بالصيّاح. وقيل : هو أن يعمل عمل الفجّار ويسأل مسألة الأبرار.
قوله تعالى : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ؛) أي لا تفسدوا فيها بالشّرك والمعصية بعد إصلاح الله إيّاها ببعث الرّسل إليها ، فأمروا فيها بالحلال ونهوا عن الحرام ، فتصلح الأرض بالطّاعة. وقيل : معناه : لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر عنها ، ويهلك الحرث بمعاصيكم. وقيل : معناه : لا تجوروا في الأرض فتخرّبوها ؛ لأنّ الأرض قامت بالعدل ، وقد أصلحها الله بالنّعمة.
قوله تعالى : (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ؛) أي واعبدوه خائفين من عذابه ؛ طامعين في رحمته وثوابه. وقال الربيع : (خَوْفاً وَطَمَعاً) أي رغبا ورهبا. وقال ابن جريج : (خوف العدل وطمع الفضل). وقال عطيّة : (خوفا من النّيران وطمعا في الجنان). وقال ذو النون المصريّ : (خوفا من الفراق وطمعا في التّلاق).
قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٦) ؛ معناه : إنّ إنعام الله قريب من المحسنين. ويقال : إنّ المحسن من أخلص حسناته من الإساءة. وإنّما قال : (قريب) ولم يقل : قريبة ؛ لأنّ الرحمة والعفو والغفران في معنى واحد ، وما لم يكن فيه تأنيث حقيقيّ كنت بالخيار ، إن شئت ذكّرته وإن شئت أنّثته.
وقال ابن جبير : (الرّحمة هنا الثّواب). وقال الأخفش : (هي المطر). فيكون القريب نعتا للمعنى دون اللفظ كقوله : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى
__________________
سيكون في هذه الأمّة قوم يعتدون في الدّعاء]. وأخرجه أبو داود في السنن : كتاب الطهارة : باب الإسراف في الماء : لحديث (٩٦). وابن ماجة في السنن : كتاب الدعاء : الحديث (٣٨٦٤).