عَنَّا ؛) أي ذهب الأصنام عنّا ؛ فلم يقدروا لنا على نفع ولا دفع ضرّ ، (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ؛) أي أقرّوا على أنفسهم ، (أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) (٣٧) ؛ في الدّنيا. قال مقاتل : (يشهدون على أنفسهم بعدما شهدت عليهم الجوارح بما كتمت الألسن).
قوله تعالى : (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ ؛) معناه : قال الله لهم : ادخلوا النار مع أمم قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار.
قوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها ؛) في الدّين والملّة. ولم يقل : أخاها ؛ لأنه عنى بها الأمم والجماعة ؛ فلعنت المشركون المشركين ؛ واليهود اليهود ؛ والنصارى النصارى ؛ والمجوس المجوس ، ويلعن الأتباع القادة ويقولون : لعنكم الله أنتم عزّرتمونا. قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً ؛) أي تلاحقوا واجتمعوا في النّار.
قرأ الأعمش : (حتّى إذا تداركوا فيها). وقرأ النخعيّ : (حتّى إذا ادّرّكوا فيها) بتشديد الدّال من غير ألف. والمعنى : حتّى إذا اجتمعوا في النّار القادة والأتباع ؛ (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ ؛) أي قالت أخرى الأمم المكذّبة لأوّل الأمم (رَبَّنا هؤُلاءِ ؛) المقدّمون ؛ (أَضَلُّونا ؛) عن الهدى بإلقاء الشّبهة علينا ؛ (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ ؛) أي زدهم في عذابهم ، واجعل عذابهم مضاعفا ممّا علينا ، (قالَ ؛) الله تعالى : (لِكُلٍّ ضِعْفٌ ؛) أي لكلّ من الأوّلين والآخرين ضعف من العذاب ، (وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) (٣٨) ؛ أنتم شدّة ما عليهم.
ومن قرأ (ولكن لا يعلمون) بالياء ؛ فمعناه : لا يعلم كلّ فريق منهم مقدار عذاب الفريق الآخر. وقال مقاتل : (معناه : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ) أي (أخراهم) دخولا النّار الأتباع (لأولاهم) وهم القادة) (١). وقال السّدّيّ : (أخراهم الّذين أتوا في آخر الزّمان ، لأولاهم يعني الّذين شرّعوا لهم ذلك الدّين) (٢).
__________________
(١) قاله مقاتل في التفسير : ج ١ ص ٣٩١.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٣٣٦).