قوله عزوجل : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ؛ أي قل يا محمّد لكفار مكّة : لمن ملك ما في السّموات والأرض ، فإن أجابوك وقالوا : لله ، وإلا فقل لهم ((لله)) (١) إذ هم يعلمون ويقرّون أن الأصنام لا تملك خلق شيء ، وإنّما الله يملك ذلك.
وقوله تعالى : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي أوجب على نفسه الرّحمة فضلا وكرما. أو قيل : معناه : أوجب على نفسه الثواب لمن أطاعه ؛ وقيل : أوجب على نفسه الرحمة بإمهال من عصاه ؛ ليستدرك ذلك بالتوبة ولم يعاجله بالعقوبة ، وهذا استعطاف من الله عزوجل للمتولّين عنه إلى الإقبال ، وإخبار بأنه رحيم بعباده لا يعجّل عليهم بالعقوبة ، ويقبل منهم الإنابة والتوبة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [لمّا خلق الله تعالى الخلق ؛ كتب فوق العرش : إنّ رحمتي سبقت غضبي](٢). وقال عمر رضي الله عنه لكعب الأحبار : (ما أوّل شيء ابتدأ الله به؟ فقال كعب : كتب الله كتابا لم يكتبه بقلم ولا مداد ؛ كتابه الزّبرجد واللّؤلؤ والياقوت : إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا ، سبقت رحمتي غضبي) (٣).
وفي الخبر : أنّ لله تعالى مائة رحمة كلّها ملئ السّموات والأرض ، فأهبط الله تعالى منها رحمة واحدة لأهل الدّنيا ، فهم بها يتراحمون ؛ وبها يتعاطفون ؛ وبها يتراحم الإنس والجنّ وطير السّماء وحيتان الماء ؛ وما بين الهواء ودواب الأرض وهو امّها ، وأخّر تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة.
قوله تعالى : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) ؛ بدل من الرحمة وتفسير لها ، فكأنّه قال : ليجمعنّ بين المؤمنين والكفار ، بين المؤمن والكافر في الرّزق والنّعمة والدّولة إلى يوم القيامة ، لا شكّ فيه عند المؤمنين أنه حقّ كائن ، ثم تكون العاقبة بدل البعث للمؤمنين.
__________________
(١) ((لله)) سقطت من المخطوط.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب بدء الخلق : الحديث (٣١٩٤). ومسلم في الصحيح : كتاب التوبة : باب في سعة رحمة الله : الحديث (١٤ / ٢٧٥١) واللفظ له.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٠٢١١).