ومعناها : (ولو نزّلنا عليك كتابا في) صحيفة وعلّقناه بين السّماء والأرض ينظرون إليه ويعاينونه ويلمسونه بأيديهم ، (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ؛ كفّار مكّة بعد معاينة ذلك : (إِنْ هذا) ؛ ما هذا ؛ (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧) ؛ أي كما قالوا في انشقاق القمر : (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(١). وفي الآية بيان أنّهم كانوا معاينين مصرّين على التكذيب.
قوله عزوجل : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) (٨) ؛ أي قالوا : لولا نزّل على محمّد ملك نشاهده ونعاينه يخبرنا بأنه نبيّ ، يقول تعالى : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً) كما سألوه فكذبوا لعذبناهم بعذاب الاستئصال (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) أي لا يؤجّلون ولا يمهلون بعد نزول الآية المقترحة ، نحو ما ذكر الله تعالى في قصّة قوم صالح وغيرهم. قال الضحّاك : (معناه : لو أتاهم ملك في صورته لماتوا) (٢).
قوله عزوجل : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٩) ؛ أي لو أرسلنا إليهم رسولا من الملائكة لأرسلناه في صورة الإنسان ؛ لأنّهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة ؛ لأنّ ذلك يؤدّي إلى هلاكهم ؛ وليكون الشكل إلى الشكل أميل ، وبه الذهن (٣) إلى الفهم عنه أقرب ، وإلى القبول منه أسرع ، ولو نظرنا إلى الملك على هيبته لصعقنا.
وقد كانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الإنسان ؛ من ذلك أنّ جبريل عليهالسلام كان يأتي النبيّ صلىاللهعليهوسلم في صورة دحية الكلبيّ ، وجاءت الملائكة إلى إبراهيم عليهالسلام في صورة الضّيفين ، وجاءت الملائكة إلى داود عليهالسلام في صورة رجلين يختصمان إليه ، وذلك قوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) أي لو أنزلنا إليهم ملكا لجعلنا ذلك في صورة الرّجل أيضا.
__________________
(١) القمر / ٢.
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٦ ص ٣٩٣ ؛ نقله القرطبي عن ابن عباس والحسن وقتادة ، بلفظ :
(لو رأوا الملك).
(٣) في المخطوط : (وبه السن والى الفهم عنه أقرب) وهو غير مستقيم.