قرأ عاصم ونافع وحمزة وابن عامر : (للسّحت) بضم السين وجزم الحاء ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير والكسائي بضمّهما جميعا ، وقرأ أبو العبّاس : (للسّحت) بفتح السّين وجزم الحاء ، وقرأ عبيد بن عمر : (للسّحت) بكسر السين وجزم الحاء ، وكلّه بمعنى واحد وهو الحرام.
وقيل : يقال رجل مسحوت المعدة ؛ إذا كان أكولا لا يلفى أبدا إلّا جائعا ، قيل : نزلت هذه الآية في حكّام اليهود كعب بن الأشرف وأمثاله ، كانوا يرتشون ويقضون لمن رشاهم. وعن الحسن في قوله : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) قال : (ذلك الحكّام ؛ يسمع كذبه ويأخذ رشوته ، فيكون الحاكم قد سمع الدعوة الكاذبة ويأكل رشوته) (١).
وروي : أنّ مسروقا شفع لرجل في حاجة ، فأهدى له جارية ، فغضب غضبا شديدا وقال : لو علمت أنّك تفعل هذا ما تكلّمت في حاجتك ولا أتكلّم فيما بقي من حاجتك ، سمعت ابن مسعود رضي الله عنه يقول : «من شفع في حاجة ليردّ بها حقّا أو يدفع بها ظلما فأهدي إليه شيء فهو سحت) ، فقيل له : يا أبا عبد الرّحمن ما كنّا نرى ذلك إلّا أخذ رشوة على الحكم؟ فقال : (الأخذ على الحكم كفر ، قال الله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) وإذا أرشى الحاكم انعزل من ساعته وإن لم يعزل» (٢).
ومن السّحت : ثمن الخمر والخنزير والميتة ، وعسب الفحل ، وأجرة النّائحة والمغنّية والسّاحر ، وهديّة الشفاعة ، ومهر البغيّ ، وحلوان الكاهن. هكذا قال عمر وعليّ وابن عبّاس رضي الله عنهم. وقال ابن كيسان : سمعت الحسن يقول : (إذا كان لك على رجل دين ، فأكلت في بيته ، فهو سحت).
قوله تعالى : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) ؛ وذلك أنّ اليهود لما أرادوا أن ينهضوا من عند النبيّ صلىاللهعليهوسلم بعد قصّة الزّنا ، تعلّقت بنو قريظة ببني
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٩٣٣٤).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٩٣٤٧).