بأهل البيت في الآية أهل بيت نبيّنا. ثمّ اختلفوا. فقال عكرمة : أراد أزواج النبيّ لأنّ أوّل الآية متوجّه إليهنّ. وقال أبو سعيد الخدريّ وأنس بن مالك وعائشة وأمّ سلمة : إنّ الآية مختصّة برسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام. روى الثعلبيّ عن أمّ سلمة أنّ النبيّ كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها حريرة فقال : ادعي زوجك وابنيك. فجاءت بهم فطعموا. ثمّ ألقى عليهم كساء عليه خيبريّا فقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وعترتي. فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. فقلت : يا رسول الله ، وأنا معهم؟ قال : أنت إلى خير. والروايات في هذا كثيرة من طرق العامّة والخاصّة. قالت الشيعة : لا تخلو الإرادة في الآية أن تكون هي الإرادة المحضة أو الإرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس. فلا يجوز الوجه الأوّل. لأنّ الله قد أراد [من كلّ مكلّف هذه الإرادة] المطلقة ، فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق. ولأنّ هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بغير شكّ وشبهة ولا مدح في الإرادة المجرّدة. فثبت الوجه الثاني. وفي ثبوته ، ثبوت عصمة المعنيّين بالآية من جميع القبائح. وقد علمنا أنّ من ذكرناه من غير أهل البيت غير مقطوع على عصمته. فثبت أنّ الآية مختصّة بهم لبطلان تعلّقها بغيرهم. ومتى قيل : إنّ صدر الآية وما بعدها في الأزواج ، فالقول فيه : إنّ هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم. فإنّهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه. والقرآن بذلك مملوء ، وكذلك كلام العرب وأشعارهم. (١)
[٣٤] (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (٣٤))
ثمّ عاد سبحانه إلى ذكر الأزواج فقال : (وَاذْكُرْنَ) ؛ أي : اشكرن الله إذ صيّركنّ في بيوت يتلى فيها القرآن والسنّة. وقيل : (وَاذْكُرْنَ) ؛ أي : احفظن ذلك وليكن منكنّ على بال أبدا لتعملنّ بموجبه. وهذا حثّ لهنّ على حفظ القرآن والأخبار ومذاكرتهنّ بها. والخطاب وإن اختصّ بهنّ ، فغيرهنّ يشاركهنّ فيه. (لَطِيفاً) بأوليائه. (خَبِيراً) بجميع خلقه. (٢)
__________________
(١) مجمع البيان ٨ / ٥٥٨ ـ ٥٦٠.
(٢) مجمع البيان ٨ / ٥٦٠.