لمّا أمر الله سبحانه باتّباع الطاعات واجتناب المقبّحات ، بيّن الغرض في ذلك [بقوله :](أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ) ؛ أي : خوف أن تقول. أو : حذرا من أن تقول. والمعنى : كراهة أن يصيروا إلى حال يقولون فيها : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) ؛ أي : يا ندامتي على ما ضيّعت من ثواب الله أو قصّرت في أمر الله. وقيل : في طاعة الله. وقال الفرّاء : الجنب : القرب. أي : في قرب الله وجواره ، وهو الجنّة. وعن أبي جعفر عليهالسلام أنّه قال : نحن جنب الله. (لَمِنَ السَّاخِرِينَ) ؛ أي : من المستهزئين بالنبيّ وبالقرآن وبالمؤمنين عليهمالسلام في دار الدنيا ، أو بمن يدعوني إلى الإيمان. أبو جعفر : يا حسرتاي بياء مفتوحة بعد الألف. والباقون بغير ياء. (١)
(نَفْسٌ). تنكير نفس لأنّ القائل بعض الأنفس ، أو للتكثير. (فِي جَنْبِ اللهِ) : في جانبه. أو : في حقّه وهو طاعته. و [محلّ](إِنْ كُنْتُ) نصب على الحال. كأنّه قال : فرّطت وأنا ساخر. (٢)
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : انّ الله يقول في أصفيائه : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ) ـ الآية ـ تعريفا للخليقة قربهم. ألا ترى أنّك تقول : فلان إلى جنب فلان ، إذا أردت أن تصف قربه منه. إنّما جعل الله هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وأنبياؤه وحججه لعلمه ما يحدثه في كتابه المبدّلون بإسقاط حججه منه ليعينوا على باطلهم. فأثبت فيه الرموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم عنها. (٣)
[٥٧] (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧))
(أَوْ تَقُولَ) ؛ أي : فعلنا ذلك كراهة أن تقول : لو أراد الله هدايتي ، لكنت ممّن يتّقي معاصيه خوفا من عقابه. وقيل : إنّهم لمّا لم ينظروا في الأدلّة وأعرضوا عن القرآن واشتغلوا بالدنيا ، توهّموا أنّ الله لم يهدهم فقالوا ذلك بالظنّ. ولهذا ردّ الله عليهم بقوله : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ
__________________
(١) مجمع البيان ٨ / ٧٨٧ و ٧٨٦.
(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٢٩.
(٣) الاحتجاج / ٢٥٢.