لسماعي هذا الكلام أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس. فإن قلت : لم جاء ذلك على وجه التحاكم إليه؟ قلت : ليحكم بما حكم به من قوله : (لَقَدْ ظَلَمَكَ) ـ الآية ـ حتّى يكون محجوجا بحكمه ومعترفا على نفسه بظلمه. (١)
(لَقَدْ ظَلَمَكَ) ؛ أي : إن كان الأمر على ما تدّعيه ، لقد ظلمك بهذا السؤال. (الْخُلَطاءِ) ؛ أي : الشركاء. (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا). أي من الخلطاء ؛ فإنّهم لا يظلم بعضهم بعضا. (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) ما زائدة. (وَظَنَّ داوُدُ) ؛ أي : علم أنّا اختبرناه وابتليناه. (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) : صلّى وراجع. وقيل : مكث أربعين يوما ساجدا لا يرفع رأسه إلّا إلى الصلاة المكتوبة. واختلف في استغفار داوود عليهالسلام من أيّ شيء كان. فقيل : إنّه حصل على سبيل الانقطاع إلى الله والتذلّل بالعبادة والسجود. وأمّا قوله : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) فالمعنى : انّا قبلناه منه وأثبناه عليه. وهذا قول من ينزّه الأنبياء عن جميع الذنوب من الإماميّة والمعتزلة. ومن جوّز على الأنبياء الصغائر [قال :] كان لذنب صغير وقع منه ؛ وهو أنّ أوريا خطب امرأة فأراد أهلها أن يزوّجوها منه ، فبلغ داوود جمالها فخطبها وزوّجوها منه وقدّموه على أوريا ، فعوتب داوود على الحرص على الدنيا. وأمّا من جوّز الكبائر على الأنبياء ، فقال : السبب فيه القصّة المشهورة مع امرأة أوريا كما ورد في حديث عليّ بن الجهم. (٢)
(أَنَّما فَتَنَّاهُ) ؛ أي : ابتليناه بالذنب. أو : امتحنّاه بتلك الحكومة هل يتنبّه بها. (لَزُلْفى) : قربا وكرامة. (وَحُسْنَ مَآبٍ) في الجنّة. (٣)
[٢٦] (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦))
(إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً) تدبّر أمر العباد من قبلنا بأمرنا. أو : خلف من مضى من الأنبياء في
__________________
(١) الكشّاف ٤ / ٨٠ ـ ٨٢.
(٢) انظر : مجمع البيان ٨ / ٧٣٤ ـ ٧٣٦.
(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣١٠.