(الْعُلَماءُ) الذين يعرفونه حقّ معرفته. وعن الصادق عليهالسلام يعني بالعلماء من صدّق قوله فعله. ومن لم يصدّق فعله قوله ، فليس بعالم. وعن ابن عبّاس قال : يريد : إنّما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وسلطاني. وفي الحديث : أعلمكم بالله أخوفكم لله. وإنّما خصّ سبحانه العلماء بالخشية ، لأنّ العالم أحذر لعقاب الله من الجاهل حيث يختصّ بمعرفة التوحيد والعدل ويصدّق بالجنّة والنار. ومتى قيل : فقد نرى من العلماء من لا يخاف الله ويرتكب المعاصي ، فالجواب أنّه لا بدّ أن يخافه مع العلم به وإن كان يؤثر المعصية عند غلبة الشهوة لعاجل اللّذّة. (عَزِيزٌ) في انتقامه من أعدائه. (غَفُورٌ) لزلّات أوليائه. (١)
(إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ). المراد به العلماء الذين علموا بصفاته وعدله وتوحيده وما يجوز عليه وما لا يجوز فعظّموه وقدروه حقّ قدره. فإن قلت : ما وجه اتّصال هذا الكلام بما قبله. قلت : لمّا قال : (ا لم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء) وعدّد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعه وما خلق من الأجناس وما يستدلّ به عليه وعلى صفاته ، أتبع ذلك بقوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ). كأنّه قال : إنّما يخشاه مثلك ومن على صفتك ممّن عرفه حقّ معرفته. (٢)
عن ابن عبّاس في قوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) قال : يعني به عليّا عليهالسلام. كان عالما بالله ويخشى الله ويعمل بفرائضه ويجاهد في سبيله ويتّبع مرضاته ومرضاة رسوله صلىاللهعليهوآله. (٣)
[٢٩] (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩))
ثمّ وصف سبحانه العلماء فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ). أثنى عليهم بقراءة القرآن. (سِرًّا وَعَلانِيَةً). منصوبان على الحال. أي : أنفقوا مسرّين ومعلنين. (يَرْجُونَ) ؛ أي :
__________________
(١) مجمع البيان ٨ / ٦٣٥ ـ ٦٣٦.
(٢) الكشّاف ٣ / ٦١٠ ـ ٦١١.
(٣) تأويل الآيات ٢ / ٤٨٠.