قادر على ذلك ، لكنّ الحكمة اقتضت أن يضلّ من يشاء ، وهو أن يخذل من عرف أنّه يختار الكفر ويصمّم عليه ، ويهدي من يشاء ، وهو أن يلطف بمن علم أنّه يختار الإيمان. يعني أنّه بنى الأمر على الاختيار وعلى ما يستحقّ به اللّطف والخذلان والثواب والعقاب ولم يبنه على الإجبار الذي لا يستحقّ به شيء من ذلك. وحقّقه بقوله : (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). ولو كان هو المضطرّ إلى الضلال والاهتداء ، لما أثبت لهم عملا يسألون عنه. (١)
[٩٤] (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤))
(وَلا تَتَّخِذُوا). ثمّ كرّر النهي عن اتّخاذ الأيمان دخلا بينهم تأكيدا عليهم. (فَتَزِلَّ قَدَمٌ) ؛ أي : فتزلّ أقدامكم عن محجّة الإسلام بعد ثبوتها عليها. (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) في الدنيا بصدودكم عن سبيل الله وخروجكم من الدين ، أو بصدّ غيركم. لأنّهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدّوا ، لاتّخذوا نقضها سنّة لغيرهم يستنّون بها. (عَذابٌ عَظِيمٌ) في الآخرة. كأنّ قوما ممّن أسلموا بمكّة زيّن لهم الشيطان ـ لجزعهم ممّا رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين وإيذائهم ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد ـ أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله ، فثبّتهم الله. (قَدَمٌ). فإن قلت : لم وحّدت القدم ونكّرت؟ قلت : لاستعظام أن تزلّ قدم واحدة عن طريق الحقّ بعد أن ثبتت عليه فكيف بأقدام كثيرة. (٢)
(قَدَمٌ). عن أبي عبد الله عليهالسلام : يعني بعد مقالة رسول الله في عليّ عليهالسلام. (٣)
(صَدَدْتُمْ). عن أبي عبد الله عليهالسلام : يعني به عليّا عليهالسلام. (٤)
[٩٥] (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥))
(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ) ؛ أي : لا تستبدلوا بعهد الله وبيعة رسول الله صلىاللهعليهوآله (ثَمَناً قَلِيلاً) ؛ أي :
__________________
(١) الكشّاف ٢ / ٦٣١ ـ ٦٣٢.
(٢) الكشّاف ٢ / ٦٣٢ ـ ٦٣٣.
(٣) الكافي ١ / ٢٩٢ ، ح ١.
(٤) الكافي ١ / ٢٩٢ ، ح ١.