أنتم شاهدون على من تقدّمكم بأخذنا منهم الميثاق وبما بذلوه من القبول. والمخاطب بقوله : (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) اليهود الذين كانوا في زمنه صلىاللهعليهوآله. وقيل : إنّه خبر عن أوائلهم ، ولكنّه أخرج الخبر بذلك مخرج المخاطبة لهم. (١)
[٨٥] (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
(ثُمَّ أَنْتُمْ). استبعاد لما أسند إليهم من القتل والإجلاء والعدوان بعد أخذ الميثاق منهم وإقرارهم وشهادتهم. والمعنى : ثمّ أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون الحاضرون. يعني أنّكم قوم آخرون غير أولئك المقرّين ، تنزيلا لتغيّر الصفة منزلة تغيّر الذات. وقوله : (تَقْتُلُونَ) بيان لقوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ). وقيل : (هؤُلاءِ) موصول بمعنى الذين. (٢)
(تَظاهَرُونَ). الكوفيّون بتخفيف الظاء ، والباقون بتشديدها. (أُسارى). حمزة : «أسرى» بغير ألف ؛ كقتيل وقتلى. (تُفادُوهُمْ). نافع وعاصم والكسائيّ بالألف وضمّ التاء. والباقون بغير الألف وفتح التاء. (٣)
(بِبَعْضِ الْكِتابِ) ؛ أي : بالفداء. (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) ؛ أي : بالقتال والإجلاء. وذلك أنّ قريظة كانوا حلفاء الأوس والنضير حلفاء الخزرج وكان كلّ فريق يقاتل مع حلفائه وإذا غلبوا خرّبوا ديارهم وأخرجوهم ، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتّى يفدوه ، فعيّرتهم العرب وقالوا : كيف تقاتلونهم ثمّ تفدونهم؟ فيقولون : أمرنا أن نفديهم وحرّم علينا قتالهم ، ولكنّا نستحيي أن نذلّ حلفاءنا. والخزي قتل بني قريظة وأسرهم وإجلاء بني النضير. وقيل : الجزية. (٤)
__________________
(١) مجمع البيان ١ / ٣٠٠ ـ ٣٠١.
(٢) الكشّاف ١ / ١٦٠.
(٣) التيسير / ٦٤.
(٤) الكشّاف ١ / ١٦١.