الكتاب المذكور في مجمله محاولة تقريبية فكرية فريدة يقل نظيرها بل يكاد ينعدم. وكم كنا نود لو اقتفى العلماء الآخرون أثرها وراحوا يتوسعون فيها ، الأمر الّذي لم يحدث بعد. لكننا سوف نقتبس نماذج من بحوثه لنتبين ما ذكرناه من التوازن بين الأصالة والانتفاح ونعرف آثاره التقريبية من خلال هذه النماذج.
أولا : في مطلع البحوث يفصح عن هدفه من هذه البحوث حينما يذكر فوائد الفقه المقارن وتتلخص في الأمور التالية :
أ ـ محاولة البلوغ إلى واقع الفقه الإسلامي.
ب ـ العمل على تطوير الدراسات الفقهية والأصولية.
ج ـ إشاعة الروح الرياضية بين الباحثين ومحاولة القضاء على مختلف النزعات العاطفية.
د ـ تقريب شقة الخلاف بين المسلمين والحد من تأثير العوامل المفرّقة التي كان من أهمها وأقواها جهل علماء بعض المذاهب بأسس وركائز البعض الآخر ، مما ترك المجال مفتوحا أمام تسرب الدعوات المغرضة في تشويه مفاهيم بعضهم والتقول عليهم بما لا يؤمنون به (١).
وهكذا نلاحظ روحا تقريبية عالية هدفها الانفتاح على مختلف الآراء ، والمنطقية في العرض ، والعلمية في البحث والاستدلال ، والسعي لتضييق الخلاف بين المسلمين. ويتجلى هذا المعنى أيضا حين يتحدث عن أصول المقارنة ، فيركز على الروح الموضوعية «ونقصد منها هنا أن يكون المقارن مهيئا من وجهة نفسية للتحلل من تأثير رواسبه والخضوع لما تدعو إليه الحجة عند المقارنة سواء وافق ما تدعو إليه ما يملكه من مسبقات أم خالفها» ويضيف «فإذا كان بهذا المستوى من
__________________
(١) أصول الفقه المقارن ١٠.