البليّات فيها
لاحقة للأنبياء والأولياء ، وهي منقضية ، وقد حكمها الله تعالى ، وأحكم خلق بدن
الإنسان وجعل فيه من القوى المدركة والغاذية وما يتوقّف عليه ، وجعل له قوى العلوم
بمراتبها ، وفيه من العجائب ما يبهر عقل كلّ عاقل ، ولا يعرف ذلك إلّا من وقف على
علم التشريح.
ثمّ خلق من
المطعومات والمشمومات والمركوبات والنبات والحيوان والمعادن وحركات الكواكب
وتأثيراتها بالحرّ والبرد ما يدلّ بصريحه على تمام حكمة صانعه ، فتبارك الله أحسن
الخالقين.
ثمّ قال تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي
الْأَرْضِ جَمِيعاً) ؛ تكرمة لبني آدم.
فالعاقل إذا أمعن
النظر بصحيح الفكر والاعتبار يجد هذه الدار التي سمّاها لهوا ولعبا ودار الغرور
بهذه الحكمة ، ويكرّم الإنسان فيها بهذه الكرامة بهذه المنافع ، لم يهمل دار قراره
وآخرته ، بألّا ينصّب إماما معصوما يحصل اليقين بقوله ، يحفظ الشرع ، ويقيم نظام
النوع ويهديه ، ويلزمه الطريق الذي يوصله إلى دار القرار ، بل يجعل ذلك موكولا إلى
الخلق ولا يجعل فيهم معصوما ، ليختار [أرباب العقول] الضعيفة والقوى الشهوية والغضبية القوية بعقلهم من لا
يحصّل اليقين بقوله هو ، ولا يوثق بفعله ؛ إذ يجوز عليه الخطأ أو أكبر منه ، فلا
يحصل له طريق إلى اليقين بحكم الله تعالى.
فكيف يمكن إحكام
أمور الإنسان في هذه الدار وإهمال أموره في تلك الدار ، مع أنّ هذه الدار ليست
بمقصودة بالذات ، إنّما المقصود تلك؟
هذا ينافي الحكمة
بالضرورة ، ولا يقول به من له أدنى فطنة ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
الرابع والعشرون :
الدليل لا بدّ أن يمتنع معه نقيض المدلول ، وإلّا لم يكن دليلا
__________________