قيل : إنها متحيونة. وشكل أنواع الإسفنج يختلف اختلافا كثيرا فمنها ما يكون عديم الذنب مستديرا بسيطا أو فصيا ، ومنها ما يكون ضيقا نحو قاعدة به مستعرضا نحو قمته على هيئة نعل الفرس ، وكثيرا ما تكون محفورة نحو مركزها على شكل قمع أو بودقة ، وأحيانا تكون ذنيبية مفرطحة أو ورقية أو متفرعة كشجرة ، وهذه الأنواع تأتي خصوصا من شواطئ الشام وبلاد الأناضول وجزائر اليونان.
(الرتبة الخامسة الحيوانات النقيعية):
هذه الحيوانات الصغيرة للغاية تنمو في جميع المحال وجميع البلاد والأزمان ؛ إما في باطن الأجسام الحية أو في وسط الأجسام غير العضوية ، وكل مادة حيوانية أو كل سائل حيواني حصل فيه تحليل تتحصل منه حيوانات نقيعية بعد زمن يسير.
ويدخل تحت هذا القسم حيوانات مختلفة تنسب إلى الرتب المتقدمة ، وبنية هذه الحيوانات بسيطة للغاية غالبا حيث إن بعضها ليس إلا نقطة حيوانية ، وتارة تكون عبارة عن جزئيات مستطيلة ، ويظهر أنها مجردة عن أعضاء الحواس إلا حاسة اللمس التي محلها الجلد القابل للانكماش لهذه الحيوانات ، ومع ذلك يرى أن هذه الحيوانات المتحركة تسبح في الماء بسرعة عظيمة غالبا وتتقارب وتفر من بعضها ، وبعض هذه الحيوانات كما في البحار توجد في التجاويف العضوية وفي الجسم الإنساني ، سواء كان في الصحة أو المرض ، وتشاهد في الجروح وفي المواد المخاطية المعوية ، وإذا انتفش ما قدمناه لك في ذهنك وفهمت معناه ، ودققت فيما حواه تبين لك وأي تبيان عظيم قدرة الحليم المنان ، وجزيل نعمه ، وجميل كرمه ، وأن ما تقدم لك بيانه إنما خلو لأجل منافعنا كما قال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [الجاثية : الآية ١٣].
وإذا نظرت أيضا إلى خلق السماوات والأرضين والأجرام السماوية مع النظر في تخليق الأمهات والمولدات من الحيوانات والجمادات والنباتات وغيرها علمت أنك عاجز عن أداء حق الشكر الواجب عليك لله سبحانه وتعالى كما قال ـ عليه الصلاة والسّلام ـ مخاطبا له عزوجل : «سبحانك لا نحصي ثناء عليك». ومن وقف على الأصناف المذكورة في كتب التشريح عرف أن نسبة هذا القدر المعلوم المذكور إلى غيره مما لم يذكر ، ولم يعلم قطرة في البحر المحيط ، بل لا يستطيع أحد أن يحصي كثرتها كما قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : الآية ٣٤]. وكما قال جل ثناؤه : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : الآية ٧٦]. فله الحمد والشكر العميم.