يقترن بالأرض وبالشمس ، ثم إنه بسبب الحركة في فلكه التي تكون من المغرب إلى المشرق يظهر لنا كأنه يختلف كل يوم عن الشمس بإحدى وخمسين دقيقة ، وذلك أن القمر في حال تجدده يوجد في دائرتي نصف النهار في وقت الزوال كالشمس فيكونان متحدي الزمن على هذه الدائرة ، ثم إذا كان القمر في الربع الأول كانت الساعة ستة بعد انتصاف النهار وإذا كان في حالة التمام كان دخوله فيها في نصف الليل ودخل في الربع الأخير ، وقد مضى ست ساعات بعد نصف الليل حتى يصل درجة التجدد في نصف النهار فلا يمكن أن نعد بين هلالين إلا ثمانية وعشرين يوما ونصف يوم بالنسبة للقمر ، ويمكن أن نحسب يوما زائدا بالنسبة للشمس والحركة التي يكون بها الليل والنهار أن الشمس والقمر وسائر الكواكب تخرج كل يوم فوق الأفق جهة الشرق وتختفي جهة المغرب ، وهذه الحركة تتم في اليوم والليلة ، إذا عرفت هذا فنقول كون الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره سبحانه يحتمل وجوها :
(أحدها) : أنا قد دللنا في هذا الكتاب العالي الدرجة أن الأجسام متماثلة ، ومتى كان كذلك كان اختصاص جسم الشمس بذلك المخصوص والحرارة والضوء الباهرين والتسخير الشديد والتأثير القاهر والتدبيرات العجيبة في العالم العلوي والسفلي لا بد وأن يكون لأجل أن الفاعل الحكيم والمقدر العليم خص ذلك الجسم بهذه الصفات ، وهذه الأحوال فجسم كل واحد من الكواكب والنيرات كالمسخر في قبول تلك القوى والخواص عن قدرة المدبر الحكيم الرحيم العليم.
(وثانيها) : أن يقال : إن لكل واحد من أجرام الشمس والقمر والكواكب سيرا خاصا وسيرا أخر كما قلنا بسبب التأثيرات فالحق سبحانه خص جرم الشمس بقوة سارية في أجرام سائر الأفلاك باعتبارها صارت مستولية عليها قادرة على تحريكها على سبيل القهر فأجرام الأفلاك والكواكب صارت كالمسخرة لهذا القهر والقسر ، ولفظ الآية مشعر بذلك وأودع تعالى قوة سارية فبشيء مجهول علينا تدور الشمس حوله فجعل سبحانه لكل مجموع نجمي قوة قاهرة باعتبارها قوى على قهر جميع الأفلاك والكواكب وتحريكها على خلاف مقتضى طبائعها حيث خص كل واحد من هذه الأجسام بخاصية معينة وصفة معينة وقوة مخصوصة ، فلهذا السبب قال تعالى والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره.
(وثالثها) : أن القوى قوتان إحداهما القوة الجاذبة إلى المركز والأخرى القوة الدافعة عنه ، فالقوة الأولى تجذب الكواكب في الفراغ ؛ لأن عادتها أن تجذب الشيء بقدر عظم الشيء الجاذب ويضعف جذبها بقدر مربع بعد الشيء المجذوب ، أن الجاذبية قوية مرتين في جسم عظيم مرتين ، وضعيفة أربع مرات في جسم بعيد مرتين وضعيف ست عشرة مرة في