البسائط فهي العناصر البسيطة ، وأما المركبات فهي المواليد الثلاثة التي تتألف منها الكتل الكبيرة أي الأجرام.
(واعلم) أنه لم يقم دليل على أنه لا جسم إلا هذه الأقسام الثلاثة ، وذلك لأنه ثبت بالدليل أن الأجرام السماوية متحركة ، وثبت بالدليل أيضا أن الأرض متحركة ، وثبت بالدليل أيضا أنه حصل خارج العالم خلاء لا نهاية له ، وثبت بالدليل أيضا أنه تعالى قادر على جميع الممكنات ، فهو تعالى قادر على أن يخلق ألف ألف عالم خارج العالم بحيث يكون كل واحد من تلك العوالم أعظم وأجسم من هذا العالم ، ويحصل في كل واحد منها مثل ما حصل في هذا العالم من العرش والكرسي والسماوات والأرضين والشمس والقمر ، ودلائل الفلاسفة في إثبات أن العالم واحد دلائل ضعيفة ركيكة مبنية على مقدمات واهية ، قال أبو العلاء المعري :
يا أيها الناس كم لله من فلك |
|
تجرى النجوم به والشمس والقمر |
هين على الله ماضينا وغابرنا |
|
فمالنا في نواحي غيره خطر |
وكان الشيخ ضياء الدين عمر ـ رحمهالله ـ تعالى يقول : إن الله تعالى في كل جوهر فرد أنواعا غير متناهية من الدلائل الدالة على القدرة والحكمة والرحمة ، وذلك لأن كل جوهر فإنه يمكن وقوعه في أحياز غير متناهية على البدل ، ويمكن أيضا اتصافه بصفات غير متناهية على البدل ، وكل واحد من تلك الأحوال المقدرة فإنه بتقدير الوقوع يدل على الافتقار إلى وجود الصانع الحكيم ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فثبت بما ذكرنا أن الأجرام السماوية متحركة ، وكل جرم ثابت له حركة على نفسه وحركة أخرى لا تعلم على شيء ، وله كواكب تدور حوله فجعل تعالى الكواكب السيارة ومنها الأرض تدور حول الشمس ، ثم إنه تعالى وصف جملة الأرض بالبركة فقال : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ) [فصّلت : الآية ٩]. إلى قوله : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها) [فصّلت : الآية ١٠].
فإن قيل : وأي بركة في الفلوات الخالية والمفاوز المهلكة؟ قلنا : إنها مساكن. أي فرش للوحوش ومرعاها ، ثم إنها مساكن للناس إذا احتاجوا إليها ؛ فلهذه البركات قال تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (٢٠) [الذّاريات : الآية ٢٠]. وهذه الآيات وإن كانت حاصلة لغير الموقنين لكن لما لم ينتفع بها إلا الموقنون جعلها آيات للموقنين تشريفا لهم كما قال تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : الآية ٢].
وأما قوله : (أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها) (٢٨). ففيه مسائل :