بسم الله الرّحمن الرّحيم
حمدا وشكرا لمن أبدع الكائنات الآلية ، ووقر في نفوسنا من المعارف ما يخلصنا من الآفات الظلمانية والشهوانية ، وركز في عقولنا من نور اليقين ما نستخرج به ما أودع في مواد الكائنات من أسرار المولدات التي هي : الحيوانان ، والمعدن ، والنبات ، حيث اخترع لها على مثال سابق صور موجوداتها وأتقن نظامها بكمياتها وكيفياتها ونوع أجناس أمزجتها على حسب التركيب والاختصاص ، وزين جواهرها بالأعراض ومجموع ذلك بالخواص ، وجعل عناصرهم محلا تتوارد عليه أحكام الكون من الصحة والفساد ، فحصل من اختلاف تلك العناصر وامتزاجاتها أنواع المواليد على حسب القابلية والاستعداد ، وأبرز من أعدل تراكيبها مزاج الإنسان الذي أتقن تكوينه وتصويره ، وأبدع خلقه وأحسن تدبيره ، وأرشده لحسن النظر في ارتباط مؤثرات تلك المواد بها ، حتى تيقن أن ذلك من ارتباط المسببات بأسبابها ، فكان ذلك عند الإنسان أدل دليل على وحدانية مخترعها ، كما أن موافقة جزئياتها لكلياتها أعظم شاهد على تعلق علمه وإرادته بها ، وصلاة وسلاما على المختار من أشرف العناصر القدسية ، والمرشد إلى مناهج الحق وطرق الرشاد المرضية ، والشافي وجوده لنا من الداء العضال ، والكاشف عنا نوره ظلم الطغيان والضلال ، وعلى آله وأصحابه الذين انتصبوا لإرشاد الأمة فكانوا سببا لفوزهم بالنجاح ، وأبرؤوا بلطيف علاجهم علل الأجساد والأرواح ، وأدركوا بسليم نظرهم خفايا آلام النفس وأعراضها ، فوصلوا بصفاء أفكارهم إلى تخليصها من أمراضها ، وعلى أهله وأشياعه وأنصاره ما تواردت أسباب العلل والأدواء على الأجسام ، واحتيج لمعالجاتها بالأدوية الشافية المبرئة من الأسقام ، «وبعد» :
فيقول المتوكل على الواحد الأحد الصمداني محمد بن أحمد الإسكندراني : إن أحق الناس بالفضل من سعى في تحصيل العلوم بهمة أمضى من السيوف البواتر ، وأيقظ لتدوينها في ظلم الليالي أجفانه والنواظر ، حتى عد في زمرة العلماء الأنجاب ، واستكشف مخدراتها سافرة النقاب ، كيف لا والمعارف ممالك ، يستولى عليها ملاكها ، والعلوم بروج تدور عليها أفلاكها ، ولا سيما علم التفسير الذي به يرد التوحيد على الإنسان ، وهو موضوع لمعرفة الحكمة والأديان ، وشرف العلوم بشرف موضوعاتها ووثاقة بنيانها بجدوى غاياتها ، فما كان موضوعه أشرف ، كان أعظم غاية وأرفع مكانة وأكثر عناية ، فموضوع علم التفسير كلام الله تعالى الذي يتوصل به إلى معرفة الأجرام السماوية والأرضية والمولدات الثلاثة والتوحيد والأحكام الشرعية ، وغايته معرفة جميع الأحكام المستنبطة من الآيات الشريفة القرآنية ،