لجده ، وضربه معدود لحده ، ولكن أيها الشريف بيضت باطني وسودت باطنك ، فيرى الناس بياض قلبي فوق سواد وجهي ، فحسنت وأخذت بسيرة أبيك وأخذت بسيرة أبي ، فرآني الخلق في صورة أبيك ورأوك في صورة أبي ، فظنوني ابن أبيك وظنوك ابن أبي ، فعملوا معك ما يعمل مع أبي وعملوا معي ما يعمل مع أبيك ، ثم قال : قال الله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : الآية ١٣]. وفيه وجهان : (أحدهما) : أن المراد من يكون أتقى يكون عند الله أكرم ، عند الله يكون أي التقوى تفيد الإكرام. (ثانيهما) : إن المراد أن من يكون أكرم عند الله يكون أتقى ، أي الإكرام يورث التقوى ، كما يقال : المخلصون على خطر عظيم. والأول أشهر والثاني أظهر ؛ لأن المذكور ثانيا ينبغي أن يكون محمول على المذكور أولا في الظاهر ، فيقال : الإكرام للتقي لكن ذو العموم في المشهور هو الأول يقال : ألذ الأطعمة أحلاها. أي اللذة بقدر الحلاوة ، لا أن الحلاوة بقدر اللذة ، وهي إثبات لكون التقوى متقدمة على كل فضيلة. (فإن قيل) : التقوى من الأعمال ، والعمل بلا علم لا يفيد ولا شرف له فالعلم أشرف قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لفقيه واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد». (فنقول) : التقوى ثمرة العلم ، قال الله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : الآية ٢٨]. فلا تقوى إلا لعالم أتم علمه ، والعالم الذي لا يتقي كشجرة لا ثمرة لها ، لكن الشجرة المثمرة أشرف من الشجرة التي لا تثمر ، بل هي حطب ، وكذلك العالم الذي لا يتقي حصب جهنم ، وأما العابد الذي يفضل الله عليه الفقيه فهو الذي لا علم له ، وحينئذ لا يكون عنده من خشية الله نصاب كامل ، ولعله يعبده مخافة الإلقاء في النار فهو كالمكره ، أو لدخول الجنة فهو يعمل كالفاعل الذي له أجره ويرجع إلى بيته ، والمتقي هو العالم بالله المواظب لبابه المقرب إلى جنابه عنده يبيت.
«المقالة السادسة والعشرون»
في قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) (٢٢) [الرّوم : الآية ٢٢].
اعلم أن الله تعالى لما بين دلائل الأنفس ذكر دلائل الآفاق ، وأظهرها خلق السماوات والأرض ، فإن بعض الكفار يقول في خلق البشر وغيره من المركبات ، أنه بسبب ما في العناصر من الكيفيات ، وما في السماوات من الحركات ، وما فيها من الاتصالات الجاذبية فإذا قيل له : فالسماء والأرض لم تكن لامتزاج العناصر فلا يجد بدا من أن يقول : ذلك بقدرة الله