أصله الذي هو جده خلق منه. وأما قوله : (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) [الصّافات : الآية ١١]. أو (مِنْ حَمَإٍ) [الحجر : الآية ٢٦] وغير ذلك فهو إشارة إلى أن آدم عليهالسلام خلق أولا من التراب ثم صار طينا ثم حمأ مسنونا ثم لازبا ، فكأنه خلق من هذا ومن ذاك ومن ذاك ، والفخار الطين المطبوخ بالنار وهو الخزف ، مستعمل على أصل الاشتقاق ، وهو مبالغة في الفاخر كالعلام في العالم ، وذلك أن التراب إلي من شأنه التفتت إذا صار بحيث يجعل ظرفا للماء وللمائعات ، ولا يتفتت ولا يرشح ، فكأنه يفخر على أفراده.
«المقالة الثالثة»
في قوله تعالى :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٢٦) [الحجر : الآية ٢٦]
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
ثبت بالدلائل القاطعة أنه يمتنع القول بوجود حوادث لا أول لها ، وإذا ثبت هذا ظهر وجوب انتهاء الحوادث إلى حادث أول هو أول الحوادث ، وإذا كان كذلك فلا بد من انتهاء الناس إلى إنسان هو أول الناس ، وإذا كان كذلك ، فذلك الإنسان الأول غير مخلوق من الأبوين ، فيكون مخلوقا لا محالة بقدرة الله تعالى ، فقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) [الحجر : الآية ٢٦]. إشارة إلى ذلك الإنسان الأول ، والمفسرون أجمعوا على أن المراد به آدم عليهالسلام.
المسألة الثانية :
اعلم أن آدم جسم ، وكل جسم محدث ، فوجب القطع بأن آدم عليهالسلام وغيره من الأجسام محدث عن عدم محض ، وأن قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) [آل عمران : الآية ٥٩]. دل على أن آدم مخلوق من التراب أيضا ، وأن آية أخرى دلت على أنه مخلوق من الطين ، وهي قوله تعالى : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) [ص : الآية ٧١] وجاء في هذه الآية المتقدمة : أن آدم عليهالسلام مخلوق من صلصال من حمأ مسنون ، فالأقرب حينئذ في الجمع بينهما أنه تعالى خلقه أولا من تراب ، ثم من طين ، ثم من حمأ