الطيبات المباحات ومعنى : لا تحرموا ، لا تعتقدوا تحريم الطيبات المباحات ، فإن من اعتقد تحريم شيء أحله الله فقد كفر. أما ترك لذات الدنيا وشهواتها والانقطاع إلى الله والتفرغ لعبادته من غير إضرار بالنفس ولا تفويت حق الغير ففضيلة لا مانع منها بل مأمور بها. وقوله تعالى : (وَلا تَعْتَدُوا) يعني : ولا تجاوزوا الحلال إلى الحرام. وقيل : معناه ولا تجبوا أنفسكم فسمى جب المذاكير اعتداء وقيل معناه ولا تعتدوا بالإسراف في الطيبات (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) يعني المجاوزين الحلال إلى الحرام.
(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨))
وقوله تعالى : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) يعني : وكلوا أيها المؤمنون من رزق الله الذي رزقكم وأحله لكم من المطاعم والمشارب. قال عبد الله بن المبارك : الحلال ما أخذته من وجهه ، والطيب ما غذى وأنمى ، فأما الجامد كالطين والتراب وما لا يغذي فمكروه إلا على وجه التداوي. وعن ابن عباس : أن رجلا أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال يا رسول الله إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرمت عليّ اللحم فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب وله عن عائشة قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحب الحلواء والعسل. وله عن أبي هريرة قال : أتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها قالت عائشة : ما كان الذراع أحب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولكن كان لا يجد اللحم إلا غبا وكان يعجل إليه الذراع لأنه أعجلها نضجا أخرجه الترمذي.
وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) هذا تأكيد للوصية بما أمر الله تعالى به وزاد التأكيد بقوله الذي أنتم به مؤمنون لأن الإيمان به يوجب التقوى في الانتهاء إلى أمر الله به وعما نهى عنه. وفي الآية دليل على أن الله عزوجل قد تكفل برزق كل أحد من عباده فإنه تعالى لو لم يتكفل بذلك لما قال وكلوا مما رزقكم الله وإذا تكفل برزق العبد وجب أن لا يبالغ في الطلب والحرص على الدنيا وأن يعول على ما وعده الله وتكفل به فإنه تعالى أكرم من أن يخلف الوعد.
(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩))
قوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) قال ابن عباس : «لما نزلت يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ـ قالوا يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها وكانوا قد حلفوا على ما اتفقوا عليه فأنزل الله عزوجل هذه الآية لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم» وقد تقدم تفسير اللغو في الأيمان في سورة البقرة وقوله تعالى : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) يعني ولكن يؤاخذكم بما تعمدتم وقصدتم به اليمين ومنه قول الفرزدق :
ولست بمأخوذ بلغو تقوله |
|
إذا لم تعمد عاقدات العزائم |
وفي الآية حذف تقديره ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم فحذفه لأنه معلوم عند السامعين (فَكَفَّارَتُهُ) يعني فكفارة إيمانكم التي عقدتموها إذا حنثتم (إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) يعني من