قوله : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) يعني أنهم أشداء أقوياء في أنفسهم وعلى أعدائهم (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) يعني أنهم ينصرون دين الله (وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) يعني لا يخافون عدل عادل في نصرهم الدين وذلك أن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويخافون لومهم فبين الله تعالى في هذه الآية أن من كان قويا في الدين فإنه لا يخاف في نصره لدين الله بيده أو بلسانه لومة لائم وهذه صفة المؤمنين المخلصين إيمانهم لله تعالى (ق).
عن عبادة بن الصامت قال : بايعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره على أن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ثم قال تعالى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ذلك إشارة إلى ما تقدم ذكره من وصفهم بمحبة الله ولين جانبهم للمؤمنين وشدتهم على الكافرين وأنهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم كل ذلك من فضل الله تعالى تفضل بهم عليهم ومن إحسانه إليهم (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) يعني أنه تعالى واسع الفضل عليم بمن يستحقه.
(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦))
قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في عبادة بن الصامت حين تبرأ من موالاة اليهود وقال : أوالي الله ورسوله والمؤمنين يعني أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم وقال جابر بن عبد الله : نزلت في عبد الله بن سلام وذلك أنه جاء إلى محمد صلىاللهعليهوسلم فقال يا رسول الله إن قومنا قريظة والنضير قد هجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا ، فنزلت هذه الآية ، فقرأ : عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال عبد الله بن سلام : رضينا بالله ربّا وبرسوله نبيا وبالمؤمنين أولياء.
وقيل : الآية عامة في حق جميع المؤمنين لأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض فعلى هذا يكون قوله تعالى : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) صفة لكل مؤمن ويكون المراد بذكر هذه الصفات تمييز المؤمنين عن المنافقين لأن المنافقين كانوا يدعون أنهم مؤمنون إلا أنهم لم يكونوا يداومون على فعل الصلاة والزكاة فوصف الله تعالى المؤمنين بأنهم يقيمون الصلاة يعني بتمام ركوعها وسجودها في مواقيتها ويؤتون الزكاة يعني ويؤدون زكاة أموالهم إذا وجبت عليهم.
أما قوله تعالى وهم راكعون فعلى هذا التفسير فيه وجوه :
أحدها : أن المراد من الركوع هنا الخضوع والمعنى أن المؤمنين يصلون ويزكون وهم منقادون خاضعون لأوامر الله ونواهيه.
الوجه الثاني : أن يكون المراد منه أن من شأنهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإنما خص الركوع بالذكر تشريفا له.
الوجه الثالث : قيل إن هذه الآية نزلت وهم ركوع. وقيل : نزلت في شخص معين وهو علي بن أبي طالب. قال السدي : مر بعلي سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه ، فعلى هذا قال العلماء : العمل القليل في الصلاة لا يفسدها والقول بالعموم أولى وإن كان قد وافق وقت نزولها صدقة علي بن أبي طالب وهو راكع. ويدل على ذلك ما روي عن عبد الملك بن سليمان قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عن هذه الآية (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) من هم؟ فقال : المؤمنون ، فقلت : إن ناسا يقولون هو علي ، فقال : علي من الذين آمنوا.