يفعل كذا إذا فعل بالليل والسبب فيه إن الإنسان في الليل لا يكون إلا في البيت غالبا فجعل الله هذه اللفظة كناية عن الليل (أَوْ نَهاراً) يعني في النهار (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) يعني ما الذي يستعجلون من نزول العذاب وقد وقعوا فيه وحقيقة المعنى أنهم كانوا يستعجلون نزول العذاب كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) فأجابهم الله سبحانه وتعالى بقوله : (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) يعني أي شيء يعلم المجرمون ما يطلبون ويستعجلون كما يقول الرجل لغيره وقد فعل فعلا قبيحا ماذا جنيت على نفسك.
(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦))
(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) يعني إذا ما نزل العذاب ووقع (آمَنْتُمْ بِهِ) يعني آمنتم بالله وقت نزول العذاب وهو وقت اليأس وقيل معناه صدقتم بالعذاب عند نزوله ودخلت همزة الاستفهام على ثم للتوبيخ والتقريع (آلْآنَ) فيه إضمار تقديره يقال لهم آلآن تؤمنون أي حين وقوع العذاب (وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) يعني تكذيبا واستهزاء (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) يعني ظلموا أنفسهم بسبب شركهم وكفرهم بالله (ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) يعني في الدنيا من الأعمال.
قوله سبحانه وتعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ) يعني ويستخبرونك يا محمد أحق ما تعدنا به من نزول العذاب وقيام الساعة (قُلْ إِي وَرَبِّي) أي قل لهم يا محمد نعم وربي (إِنَّهُ لَحَقٌ) يعني إن الذي أعدكم به حق ، لا شك فيه (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) يعني بفائتين من العذاب لأن من عجز عن شيء فقد فاته (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) يعني أشركت (ما فِي الْأَرْضِ) يعني من شيء (لَافْتَدَتْ بِهِ) يعني يوم القيامة. والافتداء : بمعنى البذل لما ينجو به من العذاب إلا أنه لا ينفعه الفداء ولا يقبل منه (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) يعني يوم القيامة ، وإنما جاء بلفظ الماضي والقيامة من الأمور المستقبلة ، لأن أحوال يوم القيامة لما كانت واجبة الوقوع ، جعل الله مستقبلها كالماضي والإسرار يكون بمعنى الإخفاء وبمعنى الإظهار فهو من الأضداد ، فلهذا اختلفوا في قوله : وأسروا الندامة. فقال أبو عبيدة : معناه وأظهروا الندامة لأن ذلك اليوم ليس يوم تصبر وتصنع. وقيل : معناه أخفوا ، يعني أخفى الرؤساء الندامة من الضعفاء والأتباع خوفا من ملامتهم إياهم وتعبيرهم لهم (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) يعني : حين عاينوا العذاب وأبصروه (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) يعني وحكم بينهم بالعدل قيل بين المؤمن والكافر وقيل : بين الرؤساء والأتباع. وقيل : بين الكفار لاحتمال أن بعضهم قد ظلم بعضا فيؤخذ للمظلوم من الظالم وهو قوله سبحانه وتعالى : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) يعني في الحكم لهم وعليهم بأن يخفف من عذاب المظلوم ويشدد في عذاب الظالم (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني أن كل شيء في السموات والأرض لله ملك له لا يشركه فيه غيره فليس للكافر شيء يفتدي به من عذاب الله يوم القيامة لأن الأشياء كلها لله وهو أيضا ملك لله فكيف يفتدي من هو مملوك لغيره بشيء لا يملكه (أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) يعني ما وعد الله به على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم من ثواب الطائع وعقاب العاصي حق لا شك فيه (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) يعني حقيقة ذلك (هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ)