فتذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة ، فولد هارون في السنة التي لا يذبح فيها وولد موسى في السنة التي يذبح فيها (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أي اختيار وامتحان ، والبلاء يطلق على النعمة العظيمة وعلى المحنة الشديدة ليختبر الله العبد على النعمة بالشكر ، وعلى الشدة بالصبر فإن حمل قوله : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) على صنع فرعون كان من البلاء والمحنة وإن حمل على الإنجاء كان من النعمة. قوله عزوجل : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) أي فصلنا بعضه من بعض وجعلنا فيه مسالك بسبب دخولكم البحر وسمي بحرا لاتساعه.
ذكر سياق القصة
وذلك أنه لما دنا هلاك فرعون ، أمر الله موسى عليه الصلاة والسلام أن يسري ببني إسرائيل من مصر بالليل ، فأمر موسى قومه أن يسرجوا في بيوتهم السرج إلى الصبح ، وأن يستعيروا حلى القبط لتبقى لهم أو ليتبعوهم لأجل المال ، وأخرج الله كل ولد زنا كان في القبط من بني إسرائيل إلى بني إسرائيل وكل ولد زنا كان في بني إسرائيل من القبط إلى القبط حتى يرجع كل ولد إلى أبيه وألقى الله الموت على القبط فمات كل بكر لهم فاشتغلوا بدفنهم وقيل : بلغ ذلك فرعون فقال لا أخرج في طلبهم حتى يصيح الديك فما صاح تلك الليلة ديك وخرج موسى في بني إسرائيل وهم ستمائة ألف وعشرون ألفا لا يعدون ابن عشرين سنة لصغره ، ولا ابن ستين سنة لكبره ، وكانوا يوم دخلوا مصر مع يعقوب اثنين وسبعين إنسانا ما بين رجل وامرأة فلما أرادوا السير ضرب عليهم التيه فلم يدروا أين يذهبون فدعا موسى مشيخة بني إسرائيل وسألهم عن ذلك فقالوا : إن يوسف لما حضره الموت أخذ على إخوته عهدا أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه معهم فلذلك انسد علينا الطريق فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموه فقال موسى. ينادي أنشد الله كل من يعلم أين قبر يوسف إلا أخبرني به ومن لم يعلم صمت أذناه عن سماع قولي : فكان يمر بالرجل وهو ينادي فلا يسمع صوته حتى سمعته عجوز منهم فقالت له : أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطيني كل ما أسألك فأبى عليها وقال : حتى أسأل ربي فأمره أن يعطيها سؤالها فقالت : إني عجوز لا أستطيع المشي فاحملني معك وأخرجني من مصر هذا في الدنيا وأما في الآخرة فأسألك أن لا تنزل غرفة من غرف الجنة إلا نزلتها معك قال : نعم ، قالت : إنه في النيل في جوف الماء فادع الله أن يحسر عنه الماء فدعا الله فحسر عنه الماء ، ودعا الله أن يؤخر عنه طلوع الفجر حتى يفرغ من أمر يوسف ، ثم حفر موسى ذلك الموضع فاستخرجه وهو في صندوق من مرمر وحمله معه حتى دفنه بالشام ، فعند ذلك فتح لهم الطريق فسار موسى ببني إسرائيل هو في ساقتهم وهارون في مقدمتهم ، ثم خرج فرعون في طلبهم في ألف ألف وسبعمائة ألف وكان فيهم سبعون ألفا من دهم الخيل سوى سائر الشيات وقيل : كان معهن مائة ألف حصان أدهم وكان فرعون في الدهم وكان على مقدمة عسكر هامان ، وكان فرعون في سبعة آلاف ألف وكان بين يديه مائة ألف ألف ناشب ومائة ألف ألف حراب ومائة في ألف ألف ، معهم الأعمدة وسار بنو إسرائيل حتى وصلوا البحر والماء في غاية الزيادة ، ونظروا حين أشرقت الشمس فإذا هم بفرعون في جنوده فبقوا متحيرين وقالوا : يا موسى أين ما وعدتنا به فكيف نصنع هذا فرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا والبحر أمامنا إن دخلناه غرقنا ، فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فلم يطعه فأوحى الله إليه أن كنه فضربه ، وقال : انفلق يا أبا خالد فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، وظهر فيه اثنا عشر طريقا لكل سبط منهم طريق وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر ، حتى صار يبسا وخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق عن جوانبهم الماء كالجبال الضخم لا يرى بعضهم بعضا فخافوا ، وقال : كل سبط منهم قد هلك إخواننا فأوحى الله إلى جبال الماء أن تشبكي فصار الماء كالشباك يرى بعضهم بعضا ، ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين فذلك قوله تعالى :