مسلما مستحلا لقتله ومن استحل قتل مسلم كان كافرا وهو مخلد في النار بسبب كفره وعن أبي مجلز في قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم. قال : هي جزاؤه فإن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعل أخرجه أبو داود. وقيل إن الخلود لا يقتضي التأبيد بل معناه دوام الحالة التي هو عليها ويدل عليه قول العرب للأيام خوالد وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها وإذا ذكر الخلود في حق الكفار قرنه بذكر التأبيد كقوله خالدين فيها أبدا فإذا قرن الخلود بهذه اللفظة علم أن المراد منه الدوام الذي لا ينقطع إذا ثبت هذا كان معنى الخلود المذكور في الآية أن الله تعالى يعذب قاتل المؤمن عمدا في النار إلى حيث يشاء الله ثم يخرجه منها بفضل رحمته كرمه. فإنه قد ثبت في أحاديث الشفاعة الصحيحة إخراج جميع الموحدين من النار وقيل إن قاتل المؤمن عمدا عدوانا إذا تاب قبلت توبته بدليل قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ولأن الكفر أعظم من هذا القتل وتوبة الكافر من كفره مقبولة بدليل قوله : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإذا كانت التوبة من الكفر مقبولة فلأن تقبل من القاتل أولى والله أعلم. قوله عزوجل :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) الآية قال ابن عباس : نزلت في رجل من بني مرة بن عوف يقال له مرداس بن نهيك وكان من أهل فدك لم يسلم من قومه غيره فسمعوا بسرية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم تريدهم وكان على السرية رجل يقال له غالب بن فضالة الليثي فهربوا منه ، وأقام ذلك الرجل المسلم فلما رأى الخيل خاف أن لا يكونوا مسلمين فألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد هو الجبل ، فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون فعرف أنهم من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكبر ونزل وهو يقول لا إله إلّا الله محمد صلىاللهعليهوسلم السلام عليكم فتغشاه أسامة بن زيد بسيفه فقتله واستاق غنمه ثم رجعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبروه الخبر فوجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذلك وجدا شديدا ، وكان قد سبقهم الخبر فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أقتلتموه إرادة ما معه؟ ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أسامة بن زيد هذه الآية فقال أسامة استغفر لي يا رسول الله فقال كيف أنت بلا إله إلّا الله؟ يقولها ثلاث مرات قال أسامة فما زال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكررها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلّا يومئذ ثم استغفر له رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : أعتق رقبة وروى أبو ظبيان عن أسامة قال : قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح فقال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها خوفا أم لا؟ وفي رواية عن ابن عباس قال مر رجل من بني سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه غنم فسلم عليهم ، فقالوا إنما سلم عليكم ليتعوذ منكم فقاموا إليه فقتلوه وأخذوا غنمه فأتوا بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله عزوجل هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) يعني إذا سافرتم إلى الجهاد فتبينوا من البيان يقال تبينت الأمر إذا تأملته قبل الإقدام عليه وقرئ فتثبتوا من التثبت وهو خلاف العجلة والمعنى فقفوا وتثبتوا حتى تعرفوا المؤمن من الكافر وتعرفوا حقيقة الأمر الذي تقدمون عليه (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) يعني التحية يعني لا تقوموا لمن حياكم بهذه التحية أنه إنما قالها تعوذا فتقدموا عليه بالسيف لتأخذوا ماله ولكن كفوا عنه وأقبلوا منه ما أظهره لكم وقرئ السلم بفتح السين من غير ألف ومعناه الاستسلام والانقياد أي استسلم وانقاد لكم وقال لا إله إلّا الله محمد رسول الله وقيل السلام والسلم بمعنى واحد أي لا تقولوا لمن سلم عليكم (لَسْتَ مُؤْمِناً) يعني لست من أهل الإيمان فتقتلوه بذلك قال العلماء : إذا رأى الغزاة في بلد أو قرية أو حي من العرب شعار الإسلام يجب أن يكفوا عنهم ولا يغيروا عليهم لما روي عن عصام المزني قال كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحد