المنافقين فلما رجعوا قال بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أقتلهم يا رسول الله فإنهم منافقون وقال بعضهم أعف عنهم فإنهم قد تكلموا بكلمة الإسلام (ق) عن زيد بن ثابت قال لما خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أحد رجع ناس ممن خرج معه فكان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيهم فئتين قالت فرقة نقتلهم وقالت فرقة لا نقتلهم فنزلت فما لكم في المنافقين فئتين فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنها طيبة تنفي الرجال كما ينفي الكير خبث الحديد وقيل نزلت في قوم خرجوا إلى المدينة وأسلموا ثم استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الخروج إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها فخرجوا وأقاموا بمكة فاختلف المسلمون فيهم فقائل يقول هم منافقون وقائل يقول هم مؤمنون وقيل نزلت في ناس من قريش قدموا المدينة وأسلموا ثم ندموا على ذلك فخرجوا كهيئة المتنزهين فلما بعدوا عن المدينة كتبوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنا على الذي فارقناك عليه من الإيمان ولكنا اجتوينا المدينة واشتقنا إلى أرضنا ثم إنهم خرجوا في تجارة إلى الشأم فبلغ ذلك المسلمين فقال بعضهم تخرج إليهم ونقتلهم ونأخذ ما معهم لأنهم رغبوا في ديننا وقالت طائفة منهم كيف تقتلون قوما على دينكم وإن لم يذروا ديارهم. وكان هذا بعين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو ساكت لا ينهي أحد الفريقين فنزلت هذه الآية وقيل نزلت في قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا وكانوا يظاهرون المشركين وقيل نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق لما تكلم في حديث الإفك. ومعنى الآية فما لكم يا معشر المؤمنين في المنافقين فئتين أي صرتم في أمرهم فرقتين فرقة تذب عنهم وفرقة تباينهم وتعاديهم فنهى الله الفرقة الذين يذبون عنهم وأمر المؤمنين جميعا أن يكونوا على منهاج واحد في التباين لهم والتبري منهم ثم أخبر عن كفرهم بقوله (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ) يعني نكسهم في كفرهم وارتدادهم وردهم إلى أحكام الكفار (بِما كَسَبُوا) أي بسبب ما اكتسبوا من أعمالهم الخبيثة وقيل بما أظهروا من الارتداد بعد ما كانوا على النفاق (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) هذا خطاب للفئة التي دافعت عن المنافقين والمعنى أتبتغون أيها المؤمنون هداية هؤلاء المنافقين الذين أصلهم الله عن الهدى (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) يعني عن الهدى (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) يعني فلن تجد له طريقا تهديه فيها إلى الحق والهدى. قوله تعالى :
(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٨٩) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠))
(وَدُّوا) يعني تمنى أولئك الذين رجعوا عن الإيمان إلى الارتداد والكفر (لَوْ تَكْفُرُونَ) يعني تكفرون أنتم يا معشر المؤمنين (كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) في الكفر (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ) يعني من الكفار منع المؤمنين من موالاتهم (حَتَّى يُهاجِرُوا) يعني يسلموا أو يهاجروا (فِي سَبِيلِ اللهِ) معكم وهي هجرة أخرى والهجرة على ثلاثة أوجه : الأولى هجرة المؤمنين في أول الإسلام من مكة إلى المدينة. الثانية هجرة المؤمنين وهي الخروج مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سبيل الله مخلصين صابرين محتبسين كما حكي الله عنهم وفي هذه الآية منع المؤمنين من موالاة المنافقين حتى يهاجروا والهجرة الثالثة هجرة المؤمنين ما نهي الله عنه بقوله (فَإِنْ تَوَلَّوْا) يعني فإن أعرضوا عن الإسلام والهجرة واختاروا الإقامة على الكفر (فَخُذُوهُمْ) الخطاب للمؤمنين أي خذوهم أيها المؤمنون (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) يعني إن وجدتموهم في الحل والحرم (وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا) يعني في هذه الحالة (وَلا نَصِيراً) يعني ينصركم على أعدائكم لأنهم أعداء ثم استثنى الله عزوجل طائفة منهم فقال تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) هذا الاستثناء يرجع إلى القتل لا إلى الموالاة الكفار