وإن كانت الآية
عامة
في الرجعيات والبوائن ، فليس هذا أوّل موضع خصّص فيه الكتاب بالسنة ، فآية المواريث خصّصت
بالسنة الدالة على أن الكافر والقاتل والرقيق لا يرثون ، وقوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) [النساء : ٢٤] خصّص بقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تنكح المرأة على عمتها» الحديث.
وأما
أنّ روايتها تضمنت مخالفة السنة فلا نجد سنة مخافة لحديث فاطمة ، إلا روايتين عن عمر
رضي الله عنه :
إحداهما : قوله
لا ندع كتاب ربّنا وسنة نبينا ، وهذا له حكم المرفوع.
والثانية :
قوله سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لها السكنى والنفقة».
أما الرواية
الأولى عن عمر فقد قال فيها الإمام أحمد رحمهالله : لا يصحّ ذلك عن عمر رضي الله عنه وقال أبو الحسن
الدار قطني قوله : «وسنة نبينا» هذه زيادة غير محفوظة ، لم يذكرها جماعة من الثقات
، بل السنة بيد فاطمة بنت قيس قطعا ، ومن له إلمام بسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم يشهد شهادة الله أنه لم يكن عند عمر رضي الله عنه سنة
عن رسول الله أنّ للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة.
وأمّا الرواية
الثانية : فلم يخرّجها فيما نعلم إلا ابن حزم والجصّاص عن حماد عن إبراهيم أنّ عمر
إلخ ومعلوم أنّ إبراهيم لم يولد إلا بعد وفاة عمر بسنين ، فالخبر منقطع ، وقد
أنكره علماء الحديث ، وصرّح ابن القيم بأنّه مكذوب على عمر ، وأنه لو كان هذا عند
عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم لخرست فاطمة وذووها ، ولما فات هذا الحديث أئمة الحديث
والمصنفين في السنن والأحكام ، فإن كان مخبر أخبر به إبراهيم عن عمر رضي الله عنه
، وأحسنّا به الظن ، كان قد روى قول عمر بالمعنى ، وظنّ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الذي حكم بثبوت النفقة والسكنى للمبتوتة حين قال عمر
: لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة.
وقد تناظر في
هذه المسألة ميمون بن مهران وسعيد بن المسيّب فذكر له ميمون خبر فاطمة بنت قيس
فقال سعيد : تلك امرأة فتنت الناس.
فقال له ميمون
: لئن كانت إنما أخذت بما أفتاها به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما فتنت الناس ، وإنّ لنا في رسول الله أسوة حسنة اه.
ولا نعلم أحدا
من الفقهاء إلّا وقد احتجّ بحديث فاطمة بنت قيس هذا ، وأخذ به في بعض الأحكام. وقد
ذكر النووي في «شرحه على صحيح مسلم» ستة عشر حكما استنبطها العلماء من هذا الحديث.
وإذا قد تبيّن
أنّ هذه المطاعن مردودة ؛ ولم يقدح شيء منها في صحة الحديث ؛ لزم القائلين بوجوب
السكنى والنفقة للمبتوتة أن يجمعوا بينه وبين الآية ما أمكنهم الجمع ، وإلا فالنسخ
أو التخصيص.