والثالث : أنّ لأزواجهن إمساكهن بالمعروف قبل انقضاء الأجل ، أو فرقتهن بالمعروف.
والرابع : إشهاد ذوي عدل ، وهو إشهاد على ما اختار من الرجعة والفرقة ، وأشار سبحانه إلى حكمة ذلك ، وأنّه في الرجعيات خاصة بقوله (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) والأمر الذي يرجى إحداثه هاهنا هو المراجعة ، كما قال السلف ، ثم ذكر سبحانه الأمر بإسكان هؤلاء المطلقات فقال : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) فكان الظاهر من سياق الكلام ونظمه أنّ الضمائر كلها متّحد مفسرها ، وأحكامها كلها متلازمة. وكان قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة» مفسّرا لكتاب الله ، ومبيّنا للمراد منه ، وأنّ الأمر بالإسكان إنما هو في خصوص الرجعيات.
قالوا : ولو سلمنا أنّ الآية عامة في الرجعيات والبوائن لكان الحديث مخالفا لعمومها ، وحينئذ يكون الحديث مخصصا لعموم الآية ، فحكمها حكم تخصيص العام من الكتاب بالخاص من السنة ، وهو كثير.
قالوا : وإذا بانت المرأة من زوجها صارت أجنبية ، ولم يبق إلّا مجرد اعتدادها منه ، وذلك لا يوجب لها نفقة كالموطوءة بشبهة أو زنى ، ولأنّ النفقة إنما تجب في مقابلة التمكين في الاستمتاع ، والبائن لا يمكن استمتاعه بها بعد بينونتها ، ولأنّ النفقة لو وجبت عليه لأجل عدتها لوجبت للمتوفى عنها من ماله ، ولا قائل به.
وأما القول بأنّ لها السكنى دون النفقة : فهو رأي فقهاء المدينة ، وإليه ذهب مالك والشافعي ، واحتجوا لوجوب السكنى بظاهر العموم في قوله تعالى : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) ولعدم وجوب النفقة بحديث فاطمة بنت قيس مع ظاهر قوله تعالى : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) فإنّ مفهومه أنهنّ إذا لم يكن حوامل لا ينفق عليهن ، قالوا : وحديث فاطمة صحيح لا ننكر صحته ، ولكنه قد خالف في السكنى ظاهر العموم في قوله تعالى : (أَسْكِنُوهُنَ) ويجب قبيل القول بالتخصيص أو النسخ الجمع بين الحديث والآية ما أمكن. وقد جاء في «الصحيحين» عن عائشة وغيرها أنّ فاطمة كانت امرأة لسنة ، وأنها استطالت على أحمائها ، فأمرها النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالانتقال من مسكن فراقها.
وفي «صحيح البخاري» عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إنّ فاطمة كانت في مكان وحش ، فخيف على ناحيتها ، فلذلك أرخص النبي صلىاللهعليهوسلم لها.
وفي «صحيح مسلم» (١) عن هشام عن أبيه عن فاطمة نفسها قالت : قلت : يا
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ١١٢١) ، ١٨ ـ كتاب الطلاق ، ٦ ـ باب المطلقة حديث رقم (٥٣ / ١٤٨١).