وظاهر العموم في قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ) وقوله تعالى : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) أنّ الحرة والأمة في ذلك سواء ، فكما تعتد الحرة الآيسة أو الصغيرة بثلاثة أشهر ، كذلك تعتد الأمة الآيسة أو الصغيرة ثلاثة أشهر ، وبهذا قال أهل الظاهر وابن سيرين ومكحول ومالك ، وهو أحد الأقوال في مذهب الشافعي ، ورواية عن أحمد رحمهمالله.
وقال جمهور العلماء : عدة الأشهر فرع وبدل عن عدّة الأقراء ، وقد جرى عمل المسلمين من الصحابة والتابعين على أنّ عدة الأمة ذات الأقراء قرآن ، ولا يعرف في الصحابة مخالف في ذلك. وبه قال الأئمة الأربعة ، وخلائق من فقهاء الأمصار لا يحصون عدا ، ذهبوا إلى أنّها على النصف من عدة الحرة. ولو لا أنّ القرء لا يمكن تنصيفه لكانت عدتها قرءا ونصفا.
ثم من هؤلاء الفقهاء من قال : عدة الأمة الآيسة والصغيرة شهران ، لأن عدتها بالأقراء قرآن ، فجعل كلّ شهر مكان قرء ، وهو أحد أقوال الشافعي ، وأشهر الروايات عن أحمد.
ومنهم من قال : عدتها شهر ونصف ، لأن التصنيف في الأشهر ممكن ، فتنصفت بخلاف القروء ، ونظير هذا أنّ المحرم إذا وجب عليه في جزاء الصيد نصف مدّ أخرجه ، فإن أراد الصيام مكانه لم يجز إلا صوم يوم كامل ، وهذا هو مذهب أبي حنيفة ، والقول الثالث للشافعي ، ورواية ثالثة عن أحمد رحمهمالله.
ثم إنّه لا تعارض بين قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) وقوله تعالى في سورة البقرة : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨]. فإنّ آية البقرة خاصّة بذوات الأقراء ، والآيسة والتي لم تحض ليستا من ذوات الأقراء ، وهو ظاهر. إنما التعارض بين الآية التي معنا وقوله تعالى فى سورة البقرة : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة : ٢٣٤] فإنّ آية البقرة عامة تشمل ذوات الأقراء واللائي يئسن واللائي لم يحضن ، فتقضي بعمومها أنّ عدة الوفاة للآيسة والصغيرة أربعة أشهر وعشرا ، والآية التي معنا عامة في السبب الذي من أجله كانت العدة ، سواء أكان فرقة حي أم فرقة ميت ، فاقتضت بعمومها أنّ عدة الوفاة للآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر ، فكان بين النصين تعارض في ظاهرهما.
لكنّ العلماء يكادون يجمعون على أنّ الآية التي معنا واردة في خصوص عدة الطلاق ، لأنّ سياق الآية ظاهر في ذلك ، وحينئذ يكون اعتداد الآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر خاصا بالمعتدات المطلقات ، فلا يكون بين الآيتين تعارض.
(وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) أجل الشيء مدته كلها ، وأجله أيضا آخر