من اعتبره بيأس النساء في بلدها الذي هي فيه ، فإنّ المكان إذا كان طيب الهواء والماء كبعض الصحارى يبطئ فيها سنّ اليأس ، وقيل : يأس كل النساء إلخ.
قال أصحاب التحديد : إن اليأس يعتمد غلبة الظن ، ومهما انقطع دم المرأة فإنّها لا تزال ترجو عوده ، ولا يتأكد الظن بعدم عوده إلا إذا بلغت من السن مبلغا لا يحيض مثلها فيه ، وأمر العدد مبني على الاحتياط وطلب اليقين ما أمكن.
والقائلون بعدم التحديد يقولون : اليأس ضدّ الرجاء ، فإذا كانت المرأة قد يئست من الحيض ولم ترجه فهي آيسة ، ولو خالفت في ذلك عادة النساء جميعا ، ولو كان لها أربعون سنة أو أقل ، كما أنّها ما دامت تحيض وترى الدم وترجوه فهي ليست آيسة ، ولو كان لها سبعون سنة أو أكثر ، ولو خالفت في ذلك عادة النساء جميعا. وكما أنه يرجع في الاعتداد بالأقراء إلى عادة المعتدة نفسها ، لا إلى عادة غيرها ، كذلك يرجع في الإياس إلى كل امرأة من نفسها ، وكما أنّهم لم يجعلوا للصغر الموجب للاعتداد بالأشهر حدّا ، كذلك ينبغي ألا يكون للكبر الموجب للاعتداد بها حدا.
وينبني على الخلاف في التحديد وعدمه خلافهم في المرأة التي طلّقت ، وكانت من ذوات الأقراء ، ثم ارتفع حيضها ، بماذا تعتد؟
فأصحاب التحديد يقولون : تنتظر حتى ترى الدم أو تبلغ حدّ اليأس ، فتعتد بثلاثة أشهر ، ولو كانت مدة التربص أكثر من عشر سنين. وهذا هو مذهب الحنفية وقول الشافعي في الجديد.
والذين لا يرون لليأس حدّا يقولون : تتربّص غالب مدة الحمل ، ثم تعتد عدة الآيسة ، ثم تحلّ للأزواج مهما كانت سنها ، قالوا : وقد صحّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في امرأة طلّقت ، فحاضت حيضة أو حيضتين ، ثم ارتفعت حيضتها ، لا تدري ما رفعها ، أنّها تتربص تسعة أشهر ، فإن استبان بها حمل وإلا اعتدت ثلاثة أشهر. وقد وافقه كثير من الفقهاء على هذا منهم مالك وأحمد والشافعي في القديم.
وكذلك اختلفوا في متعلّق الارتياب في قوله تعالى : (إِنِ ارْتَبْتُمْ) فقال جماعة : إن ارتبتم في حكمهنّ فلم تدروا ما عدتهن؟ فعدتهن ثلاثة أشهر ، وعلى ذلك يكون الشرط بيانا للواقعة التي نزل فيها الحكم من غير قصد للتقييد ، فلا مفهوم له عند القائلين بالمفهوم.
قال آخرون : إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس أهو دم حيض أم استحاضة ، وإذا كانت هذه عدة المرتاب في دمها ، فغير المرتاب في دمها أولى بذلك.
وقال الزجاج : المعنى : إن ارتبتم في حيضهن ، وقد انقطع عنهن الدم ، وكن ممن يحيض مثلهن. إلى أقوال أخر.