عن محل النزاع ، فإنّ وقوع طلاق الحائض مشروع ، فلا يقال فيه : إنه عمل ليس عليه أمر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فهو مردود ، وتحريم الطلاق في الحيض لا يمنع ترتيب أثره وحكمه عليه ، كالظهار ، فإنّه منكر من القول وزور ، ولا شكّ في ترتيب أثره وحكمه عليه ، وهو تحريم الزوجة إلى أن يكفّر ، فهكذا الطلاق البدعي محرّم ، ويترتب عليه أثره ، إلى أن تراجع ، وكذلك القذف محرّم ، ويترتب عليه أثره من الحدود والشهادة. وكذلك وطء الزوجة في الحيض محرّم ، ويترتب عليه أثره وحكمه ، حتى ولو دخل بزوجته وهي حائض اعتبر ذلك وطأ يقرّر المهر ويوجب العدة.
وكذلك الإيمان وهو أصل العقود وأجلها وأشرفها يزول بالكلام المحرّم إذا كان كفرا ، فكيف لا يزول عقد النكاح بالطّلاق المحرم ، الذي وضع لإزالته؟ وكذلك طلاق الهازل يقع مع تحريمه ، لأنّه لا يحلّ الهزل بآيات الله ، فإذا وقع طلاق الهازل مع تحريمه فطلاق الجادّ أولى أن يقع مع تحريمه.
والفرق بين النكاح المحرّم والطلاق المحرّم أنّ للنكاح عقد يتضمن حلّ الزوجة ، وملك بضعها ، فلا يكون إلا على الوجه المأذون فيه شرعا ، فإنّ الأبضاع في الأصل على التحريم ، ولا يباح منها إلا ما أباحه الشارع بخلاف الطلاق ، فإنه إسقاط لحقه ، وإزالة لملكه ، وذلك لا يتوقف على كون السبب المزيل مأذونا فيه شرعا. على أن من النكاح ما يكون محرما ويقع عقده صحيحا ، كمن عقد على مخطوبة الغير ، فإنّ الإقدام على هذا النكاح حرام ، ومع ذلك إذا وقع العقد كان صحيحا.
وأما رواية أبي الزبير عن ابن عمر فردّها عليّ ، ولم يرها شيئا ، فهي مردودة لمخالفة أبي الزبير فيها من هو أوثق منه ، قال أبو داود : والأحاديث كلّها على خلاف ما قال أبو الزبير.
وقال الشافعي : ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير عنه ، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا تخالفا ، وكذلك قال الخطابيّ. وقال ابن عبد البر : تفرّد بهذه الرواية أبو الزبير ، وقد روى الحديث عن ابن عمر جماعة أجلة ، فلم يقل ذلك أحد منهم ، وأبو الزبير ليس بحجة فيما خالفه فيه مثله ، فكيف بخلاف من هو أثبت منه.
وقال بعض أهل الحديث : لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا.
واستدل الشافعيّ بقوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) على أن الأقراء الأطهار ، ووجه الاستدلال به أنّ اللام هي لام الوقت ، أي فطلقوهن وقت عدتهن ، وفد فسر النبي صلىاللهعليهوسلم هذه الآية بهذا التفسير ، ففي «الصحيحين» (١) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلّق امرأته وهي حائض في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم ، فسأل عمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فقال
__________________
(١) سبق تخريجه.