قال ع (١) : وقد حفظ هذا في استعمال الصحابة والتابعين ؛ كقول ابن الزّبير : ألا إنّ فم الذّبّان قتل لطيم الشّيطان (٢) ؛ و (كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).
(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠) ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)(١٣٢)
وقوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ ...) الآية : هذا الكلام داخل في القول يوم الحشر.
قال الفخر (٣) : قال أهل اللغة : المعشر : كلّ جماعة أمرهم واحد ، وتحصل بينهم معاشرة ومخالطة ، فالمعشر : المعاشر. انتهى ، و (مِنْكُمْ) : يعني : من الإنس ؛ قاله ابن جريج (٤) وغيره ، وقال ابن عباس : من الطائفتين (٥) ، ولكن رسل الجنّ هم رسل رسل الإنس ، وهم النّذر ، و (يَقُصُّونَ) : من القصص ، وقولهم : (شَهِدْنا) : إقرار منهم بالكفر.
وقوله سبحانه : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) : التفاتة فصيحة تضمّنت أنّ كفرهم كان بأذمّ الوجوه لهم ، وهو الاغترار الذي لا يواقعه عاقل ، ويحتمل (غَرَّتْهُمُ) ؛ أن يكون بمعنى : أشبعتهم وأطعمتهم بحلوائها ؛ كما يقال : غرّ الطّائر فرخه.
وقوله سبحانه : (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) : الجمع بين هذه الآية وبين الآي التي تقتضي إنكار المشركين الإشراك هو إمّا بأنها طوائف ، وإما بأنها طائفة واحدة في مواطن شتّى.
وقوله : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ) ، أي : ذلك الأمر ، و (الْقُرى) : المدن ، والمراد : أهل
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٣٤٦)
(٢) ذكره ابن عطية (٢ / ٣٤٦)
(٣) ينظر : «تفسير الرازي» (١٣ / ١٥٩)
(٤) أخرجه الطبري (٥ / ٣٤٥) برقم (١٣٩٠٠) نحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٤٦) نحوه ، وابن كثير (٢ / ١٧٧) ، والسيوطي (٣ / ٨٦) وعزاه لابن المنذر عن ابن جريج بنحوه ، وعزاه أيضا لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٥) أخرجه الطبري (٥ / ٣٤٥) برقم (١٣٩٠٠) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٤٦) ، وابن كثير (٢ / ١٧٧) بنحوه.