الإيمان أو فكّر فيه ، يجد صعوبته عليه ، والعياذ بالله ، كصعوبة الصّعود في السماء ، قاله ابن جريج وغيره (١) ، و (فِي السَّماءِ) ، يريد : من سفل إلى علو ، وتحتمل الآية أن يكون التشبيه بالصاعد في عقبة كئود ؛ كأنه يصعد بها في الهواء ، ويصعد : معناه : يعلو ، ويصّعّد : معناه : يتكلّف من ذلك ما يشقّ عليه.
وقوله : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ) ، أي : وكما كان الهدى كله من الله ، والضلال بإرادته تعالى ومشيئته ؛ كذلك يجعل الله الرجس ، قال أهل اللغة : الرجس يأتي بمعنى العذاب ، ويأتي بمعنى النّجس.
وقوله تعالى : (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً ...) الآية : هذا إشارة إلى القرآن والشرع الذي جاء به نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم ؛ قاله ابن عباس ، و (فَصَّلْنَا) ، معناه : بيّنا وأوضحنا (٢).
وقوله سبحانه : (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) ، أي : للمؤمنين ، والضمير في قوله : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ) عائد عليهم ، والسّلام : يتجه أن يكون اسما من أسماء الله عزوجل ، ويتجه أن يكون مصدرا بمعنى السلامة.
وقوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) يريد في الآخرة بعد الحشر ، ووليّهم ، أي : وليّ الإنعام عليهم ، و (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، أي : بسبب ما كانوا يقدّمون من الخير ، ويفعلون من الطاعة والبر.
وقوله سبحانه : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) ، والمعنى : واذكر يوم ، وفي الكلام حذف ، تقديره : نقول : يا معشر الجنّ ، وقوله : (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ) : معناه : أفرطتم ، و (مِنَ الْإِنْسِ) : يريد : في إضلالهم وإغوائهم ؛ قاله ابن عباس وغيره (٣) ، وقال الكفّار من الإنس ، وهم أولياء الجنّ الموبّخين ؛ على جهة الاعتذار عن الجنّ : (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) ، أي : انتفع ؛ وذلك كاستعاذتهم بالجنّ ؛ إذ كان العربيّ إذا نزل واديا ، ينادي : يا ربّ الوادي ، إنّي أستجير بك في هذه الليلة ، ثم يرى سلامته إنما هي بحفظ جنّيّ ذلك الوادي ، ونحو ذلك ، وبلوغ الأجل المؤجّل : هو
__________________
(١) أخرجه الطبري (٥ / ٣٤٠) برقم (١٣٨٧٨ ، ١٣٨٧٩) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٤٣) ، وابن كثير (٢ / ١٧٥) ، والسيوطي (٣ / ٨٤) ، وعزاه لأبي الشيخ عن ابن جريج.
(٢) أخرجه الطبري (٥ / ٤٤٢) برقم (١٣٨٨٦) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٤٤)
(٣) أخرجه الطبري (٥ / ٤٤٢) برقم (١٣٨٨٨) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٤٥) ، والسيوطي (٣ / ٨٥) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ عن ابن عباس.