وقوله تعالى : (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) قلت : قال الغزّاليّ في «الجواهر» : النية والعمل ؛ بهما تمام العبادة ، فالنّيّة أحد جزأي العبادة ، لكنها خير الجزأين ، ومعنى النيّة إرادة وجه الله سبحانه بالعمل ، قال الله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) ، ومعنى إخلاصها تصفية الباعث عن الشوائب ، ثم قال الغزّاليّ : وإذا عرفت فضل النية ، وأنّها تحلّ حدقة المقصود ، فاجتهد أن تستكثر من النّيّة في جميع أعمالك ؛ حتى تنوي بعمل واحد نيّات كثيرة ، ولو صدقت رغبتك ، لهديت لطريق رشدك. انتهى.
وقوله سبحانه : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، قال الحسن والجمهور : أي : من حساب عملهم ، والمعنى : أنك لم تكلّف شيئا غير دعائهم (١) ، وقوله : (فَتَطْرُدَهُمْ) : هو جواب النفي في قوله : (ما عَلَيْكَ) ، وقوله : (فَتَكُونَ) : جواب النهي في قوله : (وَلا تَطْرُدِ).
و (فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) ، أي : ابتلينا ، و (لِيَقُولُوا) : معناه : ليصير بحكم القدر أمرهم إلى أن يقولوا ؛ على جهة الاستخفاف والهزء : (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) ، فاللام في (لِيَقُولُوا) : لام الصّيرورة.
وقوله سبحانه : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) ، أي : يا أيّها المستخفّون ، ليس الأمر أمر استخفاف ، فالله أعلم بمن يشكر نعمه.
(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ)(٥٧)
وقوله سبحانه : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ...) الآية : قال جمهور المفسّرين : هؤلاء هم الذين نهى الله عن طردهم ، وشفع ذلك بأن أمر سبحانه أن يسلّم النبيّ ـ عليهالسلام ـ عليهم ، ويؤنسهم ، قال خبّاب بن الأرتّ : لما نزلت : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا ...) الآية ، فكنّا نأتي النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فيقول لنا : سلام عليكم ، ونقعد معه ، فإذا أراد أن يقوم ، قام ، وتركنا ، فأنزل الله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٢ / ٢٩٦)