يقول المؤمنون : (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا ...) الآية.
وتحتمل الآية أن تكون حكاية لقول المؤمنين في وقت قول الذين في قلوبهم مرض : (نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) : إذ فهم منهم أنّ تمسّكهم باليهود إنما هو إرصاد لله ولرسوله ، فمقتهم النبيّ ـ عليهالسلام ـ والمؤمنون ، وترك لهم النبيّ ـ عليهالسلام ـ بني قينقاع ؛ رغبة في المصلحة والألفة ، وأما قراءة أبي عمرو : «ويقول» ـ بالنصب ـ ، فلا يتجه معها أن يكون قول المؤمنين إلّا عند الفتح ، وظهور ندامة المنافقين ، وفضيحتهم.
وقوله تعالى : (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) : نصب «جهد» على المصدر المؤكّد ، والمعنى : أهؤلاء هم المقسمون باجتهاد منهم في الأيمان ؛ إنهم لمعكم ، قد ظهر الآن منهم من موالاة اليهود ، وخذل الشريعة ـ ما يكذّب أيمانهم.
وقوله : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) : يحتمل أن يكون / إخبارا من الله سبحانه ، ويحتمل أن يكون من قول المؤمنين ، ويحتمل أن يكون قوله : (حَبِطَتْ) دعاء ، أي : بطلت أعمالهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ)(٥٩)
وقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ...) الآية : خطاب للمؤمنين إلى يوم القيامة ، ومعنى الآية ؛ أنّ الله عزوجل وعد هذه الأمة أنّ من ارتدّ منها ، فإنه يجيء سبحانه بقوم ينصرون الدّين ، ويغنون عن المرتدّين.
قال الفخر (١) : وقدّم الله تعالى محبّته لهم على محبّتهم له ؛ إذ لو لا حبّه لهم ، لما وفّقهم أن صاروا محبّين له. انتهى ، وفي كتاب «القصد إلى الله سبحانه» ؛ للمحاسبيّ ، قلت للشيخ : فهل يلحق المحبّين لله عزوجل خوف؟ قال : نعم ، الخوف لازم لهم ؛ كما لزمهم الإيمان لا يزول إلّا بزواله ، وهذا هو خوف عذاب التّقصير في بدايتهم ؛ حتى إذا صاروا
__________________
(١) ينظر : «مفاتيح الغيب» (١٢ / ٢١)