أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(٥٠)
وقوله سبحانه : (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ...) الآية : الضمير في (آثارِهِمْ) للنبيّين.
وقوله : (وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) : خصّ المتقون بالذّكر ؛ لأنهم المقصود به في علم الله وإن كان الجميع يدعى إلى توحيد الله ، ويوعظ ، ولكنّ ذلك على غير المتّقين عمى وحيرة.
وقرأ حمزة (١) وحده : «وليحكم» ـ بكسر اللام ، وفتح الميم ـ ؛ على «لام كي» ، ونصب الفعل بها ، والمعنى : وآتيناه الإنجيل ؛ ليتضمّن الهدى والنور والتصديق ، وليحكم أهله بما أنزل الله فيه ، وقرأ باقي السبعة : «وليحكم» ـ بسكون لام الأمر ، وجزم الفعل ـ ، ومعنى أمره لهم بالحكم : أي : هكذا يجب عليهم.
قلت : وإذ من لازم حكمهم بما أنزل الله فيه اتّباعهم لنبيّنا محمد ـ عليهالسلام ـ والإيمان به ؛ كما يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، قال الفخر (٢) : قيل : المراد : وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ؛ من الدلائل الدالّة على نبوّة محمّد صلىاللهعليهوسلم قيل : والمراد بالفاسقين : من لم يمتثل من النصارى. انتهى ، وحسن عقب ذلك التوقيف على وعيد / من خالف ما أنزل الله.
وقوله سبحانه : (وَمُهَيْمِناً) ، أي : جعل الله القرآن مهيمنا على الكتب ، يشهد بما فيها من الحقائق ، وعلى ما نسبه المحرّفون إليها ، فيصحّح الحقائق ، ويبطل التحريف ، وهذا هو معنى (مُهَيْمِناً) ، أي : شاهد ، ومصدّق ، ومؤتمن ، وأمين ؛ حسب اختلاف عبارة المفسّرين في اللفظة ، وقال المبرّد : «مهيمن» : أصله «مؤيمن» ؛ بني من «أمين» ؛ أبدلت
__________________
(١) وحجة الباقين في تسكين الميم : أن الله ـ سبحانه ـ أمرهم بالعمل بما في الإنجيل ، كما أمر نبينا صلىاللهعليهوسلم في الآية التي بعدها بالعمل بما أنزل الله إليه في الكتاب بقوله : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ).
ينظر : «السبعة» (٢٤٤) ، و «الحجة» (٣ / ٢٢٧) ، و «حجة القراءات» (٢٢٧) ، و «العنوان» (٨٧) ، و «شرح شعلة» (٣٥١) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ٢٣٠) ، و «إتحاف» (١ / ٥٣٦) ، و «معاني القراءات» (١ / ٣٢٢)
(٢) ينظر : «مفاتيح الغيب» (١٢ / ١٠)