الله تعالى بخلقه واختراعه ، لا خالق سواه سبحانه ، لا شريك له ، وفي مصحف (١) ابن مسعود : «فمن نفسك ، وأنا قضيتها عليك» ، وقرأ بها ابن عبّاس (٢) ، وفي رواية : «وأنا قدّرتها عليك» ؛ ويعضد هذا التأويل أحاديث عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم معناها : أنّ ما يصيب ابن آدم من المصائب ، فإنما هو عقوبة ذنوبه (٣) ، قال أبو جعفر أحمد بن نصر الدّاووديّ : قوله تعالى : (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) : خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والمراد غيره. انتهى.
وفي قوله سبحانه : / (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) ، ثم تلاه بقوله : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) : توعّد للكفّار ، وتهديد تقتضيه قوّة الكلام ؛ لأن المعنى : شهيدا على من كذّبه.
وقوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ، فالمعنى : أنّ الرسول ـ عليهالسلام ـ إنما يأمر وينهى ؛ بيانا وتبليغا عن الله ، و (تَوَلَّى) : معناه : أعرض ، و (حَفِيظاً) : يحتمل معنيين : أي : لتحفظهم حتّى لا يقعوا في الكفر والمعاصي ونحوه ، أو لتحفظ مساويهم وتحسبها عليهم ، وهذه الآية تقتضي الإعراض عمّن (٤) تولّى ، والتّرك له ، وهي قبل نزول القتال ، وإنما كانت توطئة ورفقا من الله عزوجل ؛ حتّى يستحكم أمر الإسلام.
وقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ ...) الآية : نزلت في المنافقين باتفاق المفسّرين ، المعنى : يقولون لك ، يا محمّد : أمرنا طاعة ، فإذا خرجوا من عندك ، اجتمعوا ليلا ، وقالوا غير ما أظهروا لك ، و (بَيَّتَ) : معناه : فعل ليلا ، وهو مأخوذ من بات أو من البيت ؛ لأنه ملتزم باللّيل.
وقوله : (تَقُولُ) : يحتمل أن يكون معناه : تقول أنت ، ويحتمل تقول هي لك ، والأمر بالإعراض إنّما هو عند معاقبتهم ومجازاتهم ، وأما استمرار عظتهم ودعوتهم ، فلازم ، ثم أمر سبحانه بالتوكّل عليه ، والتمسّك بعروته الوثقى ؛ ثقة بإنجاز وعده في النّصر ،
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٨٢) ، و «البحر المحيط» (٣ / ٣١٣)
(٢) ورويت عن ابن مسعود ، وأبي ينظر السابق.
(٣) أخرجه البخاري (١٠ / ١٠٣) ، كتاب «المرضى» ، باب ما جاء في كفارة المرض ، حديث (٥٦٤١ ، ٥٦٤٢) ، ومسلم (٤ / ١٩٩٢) ، كتاب «البر والصلة» ، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه ، حديث (٥٢ / ٢٥٧٣) عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ : «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه».
(٤) في أ : عمن.